الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه.
أما بعد:
الموضوع كما سمعتم: ما الهم الذي تحمله، وهذا الموضوع لعلي ما اخترته إلا قبل أن آتي لهذا المجلس، ولأنه يهم كثيراً من الملتزمين قبل العوام، ولهذا تجد كثيراً من الملتزمين إنما التزامهم في الظاهر، أما همه فقلبه أبعد ما يكون عن الالتزام، سله من صباحه إلى مسائه، من يومه إلى ليله، بم تفكر؟
ماذا يشغل قلبك؟ ما الهم الذي تحمله؟
أقصى شيء الدوام والوظيفة والمعاش، أو الدارسة إن كان طالباً، أو الزوجة أو الأولاد، أو البيت والأثاث والقسيمة، ثم ماذا؟
ثم لا شيء، ثم أن ينام على الفراش ليستيقظ ويبدأ يوماً جديداً، هذا همه، هذا حاله، هذا تفكيره، ولهذا كثير من الناس يفرح لما يرى اللحية ما شاء الله على حالها، والإزار قصير، وهذا شيء مطلوب وطيب، ولكن ادخل في قلبه، لا تجد أثراً من أثر الالتزام، ولهذا الله جل وعلا ما ينظر يوم القيامة إلى صورنا ولا إلى أجسامنا ولكن ينظر إلى القلوب، ولهذا الله جل وعلا يقول:{يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}[الشعراء:٨٨ - ٨٩] أي قلب هذا القلب السليم؟
قلب تجده إن جاء وكبر في الصلاة همه في الدنيا، هل هذا القلب سليماً؟!
قلب إن خلا بمحارم الله تلذذ وتعلق بها بل انتهكها، هل هذا القلب سليم؟!
قلب إن قرأ القرآن فهو لا يفكر إلا بالدنيا، وإن بكى في الصلاة فإنما يبكي على مصيبة أو على عزيز فقده ولا يبكي لتأثره بالقرآن، ولهذا فإن الله جل وعلا في أكثر الآيات يخاطب القلوب دون الأجساد، فيقول الله سبحانه وتعالى:{كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[المطففين:١٤] القلب هو الذي يجعل الله عز وجل عليه الران، المعصية تلو المعصية، والنظرة، ثم أغنية، ثم غيبة، ثم نميمة، ثم عقوق حتى يجعل الله عز وجل على القلب ران، بل أشد من الران قال تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ}[المنافقون:٣] الطبع على القلب، بل القفل:{أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}[محمد:٢٤].