بل قاموا من مكانهم، ولم يتحمل أحدهم أن يجلس بين قومه {إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً}[الكهف:١٤].
نظروا إلى قومهم فأنكروا، ونظروا إلى شركهم فاستنكروا:{هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً}[الكهف:١٥] ليس الأمر بالادعاء ولا بالكلام، من يصف الله عز وجل بأنه يشرك به شيئاً يشرك به في الألوهية، أو في أسمائه وصفاته، أو بالربوبية، أو يشرك به في الحكم الذي تفرد الله عز وجل به؛ فليأت بسلطان بين فليأت بدليل يثبت ما ادعاه:{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً}[العنكبوت:٦٨].
لم يتحملوا الوضع، ولم يتحملوا الشرك، وتلك الأصنام، ولا هذه الطواغيت، فقاموا من مكانهم، وهربوا من مجتمعهم، واعتزلوا الناس إلى أين؟ ذهبوا كلهم إلى أحد الكهوف المظلمة خرجوا من القصور إلى أحد الكهوف خرجوا من الترف والنعيم وزينة الدنيا إلى كهفٍ من الكهوف، يجتمعون فيه.
نعم! إنه الإيمان الذي لا يسمح لذلك المؤمن أن يجلس بين الشرك، إنه الإيمان الذي لا يرضى لصاحبه أن يرضى بهذا المنكر، وتلك المنكرات {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ}[الكهف:١٦] إنه الكهف المظلم إنه المكان الموحش، لكن الله عز وجل جعله مفاجأة لهم؛ إن الكهف المظلم قد أصبح كهفاً فسيحاً، ذلك الكهف المظلم ألقى الله سبحانه وتعالى فيه النور، فأصبح من الإيمان جنة من الجنان فأصبح من الإيمان الذي دخل في القلوب جنة يعيشون ويتقلبون فيها، أخرجهم الله من القصور ليدخلوا تلك الكهوف، ومن رحمته سبحانه وتعالى أن جعل هذه الكهوف أفضل وأجمل وأسعد لهم من تلك القصور {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً}[الكهف:١٦].