[قوة فقه أحمد بن حنبل وغزارته]
ونقرأ من هذا الكتاب القيم الذي هو بعنوان: مناقب الإمام أحمد بن حنبل للإمام ابن الجوزي الحنبلي.
فيقول: قال إسحاق بن راهويه، يقول: كنت أجالس بـ العراق أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، وأصحابنا، فكنا نتذاكر الحديث من طريق وطريقين وثلاثة، نتذاكر طرق الحديث، حتى يقوونه بكثرة الطرق، فيقول يحيى بن معين من بينهم: وطريق كذا، فأقول: أليس هذا قد صح بإجماع منا؟
فيقولون: نعم.
فأقول: ما مراده؟
ما معنى الحديث؟ يتوقفون كلهم، والذي يعرف معنى الحديث، ويفك العبارة، ويعرف مرامي الألفاظ، ودقة العبارات، هو الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه؛ لأنه ما كان محدثاً فقط، وإنما كان فقيهاً، وكان محدثاً، ولذلك يجب على الإنسان أن يكون عالماً باللغة والعبارات، وما يأخذ العلم عن الكتب فقط، بل عن الفقهاء حتى يفكوا له العبارة، ومن هنا يحضرني هذا الموقف، كل من تعلم عن طريق القراءة من الكتب يزيد خطؤه كثيراً؛ لأن الكتب فيها أخطاء لغوية وتصحيف، لكن على الإنسان أن يأخذ العلم بدراسة الكتب على العلماء، لذلك دخل أحد العلماء في إحدى قرى العراق، فوجدهم عندما يذهبون إلى الصلاة، يعلقون قفة، وداخل القفة فأر وسكينة ومغرفة في كل صلاة تقام، يعلق الناس القفة وداخل القفة مغرفة وفأر وسكينة، فرآهم هذا الإمام وأظنه الإمام المزني تلميذ الشافعي، فلما رآهم تعجب وقال: لماذا تفعلون هذا الفعل؟ قالوا: يوجد نص ودليل على ذلك، ففتحوا كتاب: الرسالة للشافعي، أو الأم، فقالوا: تعال يا إمام (لا صلاة إلا بقفة) قال: لا.
ما هو بقفة ولكن "إلا بفقه" أنتم غيرتم النقطتين من هنا إلى هنا (ولا صلاة إلا بسكِّينة) قال: يا أحبابنا (إلا بسكَينْة) (لا صلاة إلا بفأر) قال لهم: لا.
(بوقار) نقصتم نقطة، لا صلاة إلا بمغرفة، قال لهم: بمعرفة ليس بمغرفة، انتبهوا لا تلخبطوا الدين وتغيروا الكلام.
من الأشياء التي ذكرها ابن الجوزي في كتابه: أخبار الحمقى والمغفلين، يذكر جانباً من حمقى القراء والفقهاء، أن أناساً ذهبوا للحج فلما أتوا إلى الجمرات يرمونها، أخذ أحدهم حماره وجعل يغسل خفَّاه؛ لأنه وجد نص في كتب الفقه (ويسن لرامي الجمرات أن يغسل خطى حماره) فأتاه أحد العلماء قال: ماذا تعمل؟ قال: أتبع الدليل، أي دليل هذا؟ قال: تعال انظر، وفتح الكتاب فقال له: ليس المراد (خطى حماره) وإنما المراد (حصى جماره) وكثير من الأخطاء التي يقع فيها الناس من هذا الباب، يقرءون الكتب دون الرجوع إلى العلماء، ودون الرجوع إلى الفقهاء، ولذلك قال وهب: الحديث مضلة إلا للعلماء، ومثاله حديث: (نهى الرسول صلى الله عليه وسلم أن ينتعل الرجل واقفاً) فهل معناه أن الرجل لا يلبس نعاله وهو واقف؟ والحديث رواه أبو داود، ويقول الأرناءوط في تحقيقه: حسن.
أولاً يا أخي أنت تتبع الحديث لا تلبس النعال وأنت واقف، لكن يأتيك أحد الأئمة ويقول لك: هذا نهي إرشاد لأن النهي ثلاثة وعشرون أو خمسة وعشرون نوعاً ذكرها الشيخ حسن هيتو في كتابه.
ما هو المقصود من النهي العادي؟ وحتى في كتاب: شرح رياض الصالحين لـ صديق الشافعي قال: إن النهي يكون مكروهاً، فنهى أن ينتعل الرجل واقفاً نهي إرشاد وليس محرماً.
يقول إسحاق: فنقول: ما معنى الحديث؟ فيقفون كلهم إلا أحمد بن حنبل رحمه الله.
وهناك فرية تقال عن الإمام أحمد بن حنبل: أنه ليس بفقيه لكنه محدث، لذلك روى ابن الجوزي قال: قال أبو الوفاء علي بن عقيل الحنبلي رحمه الله: ومن عجيب ما تسمعه من هؤلاء الأحداث الجهال أنهم يقولون: أحمد ليس بفقيه لكنه محدث، وهذا غاية الجهل، وذكر صفحة في الاستدلال على علمه، راجع صفحة (٩١) مناقب الإمام أحمد بن حنبل.