الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.
ثم أما بعد:
أختي الكريمة: أسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعني وإياكِ في هذا المجلس، وأن يكون ما نقول في هذا المجلس حجة لنا لا حجة علينا.
أبدأ حديثي إليكِ بقصة لا علاقة لها بالموضوع عن طريقٍ مباشر فاسمعي إليها:
لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر لـ عمر رضي الله عنهما: مر بنا إلى أم أيمن، من هي أم أيمن؟ إنها إحدى الصحابيات إنها امرأة وهي واحدة من بنات جنسك عاشت في العصر الأول وفي الصدر الأول من يزورها؟ إنهما خير من يمشي على وجه الأرض حين ذاك، إنهما أبو بكر وعمر -الشيخان- رضي الله عنهما.
قال: مر بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها، فلما وصولا إليها بكت أم أيمن، فقالا لها: ما يبكيك رحمك الله؟ إن ما عند الله خيرٌ لرسوله، تبكين على رسول الله؟! رسول الله غادر هذه الدنيا الملعونة الحقيرة إلى ما هو خير، إلى ما هو أعظم، فلم تبكين؟ فقالت: إني لأعلم أن ما عند الله خيرٌ لرسوله، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صار إلى خير مما كان فيه، ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع عنا من السماء، فهيجتهما على البكاء، فجعل أبو بكر يبكي، وجعل عمر يبكي، وبكى الثلاثة جميعاً أن الوحي قد انقطع من السماء.
إن أم أيمن تبكي وإن المرأة في القرن العشرين تبكي، لكن ما الفرق بين البكائين؟! ما هَمُّ أم أيمن؟! همها أن الوحي قد انقطع، أما الآن فلا وحي جديد، ولا قرآن ينزل، لهذا بكت، هذا هَمُّ أم أيمن، وما هم فتاة القرن العشرين؟! تبكي آخر الليل لفراق حبيبها، وتبكي أول النهار لسماعها ذلك المطرب وهو يتغزل بالنساء، تبكي لأنها ما لقيت عشيقها في تلك الليلة، تبكي لأنه تزوج ولم يتزوجها!
فرقٌ بين أم أيمن وبين فتاة القرن العشرين، أم أيمن تبكي لأنها تسمع قول الله:{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً}[الزمر:٢٣] اسمعي إلى أم أيمن كيف كانت تستشعر إلى هذا القرآن {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ}[الزمر:٢٣] تقشعر الجلود، تدمع العيون.
هذا المصطفى عليه الصلاة والسلام يقول لأحد أصحابه:(اقرأ، قال: اقرأ عليك وقد أنزل القرآن عليك! قال: أقرأ، إني أحب أن أسمعه من غيري، قال: فقرأت حتى وصلت إلى قول الله تعالى في سورة النساء: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً}[النساء:٤١] قال: حسبك -لمَ حسبك؟ - قال: فنظرت فإذا عيناه تذرفان) ما تحمل عليه الصلاة والسلام ذلك الكلام، يقوم الليل كله بآية، فهلا جلسنا هذه الساعة كما جلست أم أيمن تبكي لأن الوحي قد انقطع.
أختي الكريمة: كيف حالك مع القرآن؟! هل دمعت عينك يوماً ما؟! سلي نفسك هذا السؤال، كم تقرئين في اليوم والليلة؟ كيف أنت مع أوامر القرآن ونواهيه وأحكامه؟ كم تحفظين من القرآن؟ هلا سألت نفسك هذا السؤال؟ هل هذبت به النفس، وطهرت به القلب، ورفعت به الإيمان؟ هل عملت به؟ هل دعوت إليه؟ هل شغلت به الأوقات؟ أم أنها المسلسلات والمجلات والأغنيات والفيلم والمرآة والزيارات وغيرها، إننا نفقد أم أيمن في هذا الزمن.