[قصة امرأة فقدت ابنها]
اسمعي إلى هذه العجوز وهي التي حدث لها مثل ما حدث لـ أم سليم:
يقول الأصمعي: أنه خرج وصديقه في البادية -وهذه قصة عجيبة غريبة- قال: فضللنا الطريق، فبحثنا عن مكان نأوي إليه، فرأينا ناراً من بعيد، فاتجهنا إلى هذه النار، فإذا امرأة عجوز، فقالت لنا: من أنتما؟ فقال الأصمعي ومن معه: ضللنا الطريق وأهلكنا الجوع، فرأينا النار فأقبلنا إليها، فبينما هم كذلك، إذ أقبل بعير عليه راكب، فنظرت هذه العجوز إلى هذا البعير، إنه بعير ابنها، أما الراكب فليس هو ابنها، فخافت، وأوجست في نفسها خيفة، فلما أقبل البعير عليه الرجل، قال: يا أم عقيل! السلام عليكِ، أعظم الله أجركِ في ولدكِ، فقالت: ويحك! أومات عقيل؟! فقال: نعم.
قالت: ما سبب موته؟ قال: ازدحمت عليه الإبل فرمت به في البئر، فقالت هذا المرأة العجوز: أيها الرجل! انزل، فنزل، فقربت إليه كبشاً، قالت: اذبحه، فذبحه ثم طبخت الطعام، وقربت إلى الأصمعي وصاحبه الطعام، يقول الأصمعي: فعجبنا منها! فلما فرغنا من الطعام قالت لنا، هل فيكم أحد يقرأ القرآن؟ قلنا: نعم.
قالت: اقرءوا عليّ آيات أتعزى بها بابني، فأخذا يقرءان عليها: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة:١٥٥] * {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:١٥٦] * {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:١٥٧] قالت العجوز: آلله قال هذا في كتابه؟ قال: نعم.
قالت: آلله قال هذا؟ قال: نعم.
قالت: صبراً جميلاً، وعند الله أحتسب عقيلاً، اللهم إني فعلت ما أمرتني به، فأنجز لي ما وعدتني.
ولو بقي أحد لأحد لبقي محمد لأمته.
نعم أيتها الأخوات و (إنما الصبر عند الصدمة الأولى) كيف حالكِ لو مات لكِ عزيز؟ أو مات لكِ قريب، أو كان الابن الوحيد لك ثم فارق الدنيا، ماذا تفعلين؟ نعم.
لا بأس من البكاء، ولكن إياك والنياحة! يقول عليه الصلاة والسلام: (إن الله عزَّ وجلَّ رأى، أو علم وهو العليم الحكيم أن رجلاً مات له عزيز، فقال لملائكته وهو أعلم به: ماذا قال عبدي؟ قالوا: يا رب! حمدك واسترجع، فقال للملائكة: ابنوا له بيتاً في الجنة، وسموه بيت الحمد).
دع الأيام تفعل ما تشاء وطب نفساً إذا حكم القضاء
ولا تجزع لحادثة الليالي فما لحوادث الدنيا بقاء
ومن نزلت بساحته المنايا فلا أرض تقيه ولا سماء
{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ} [الحديد:٢٢] موت ولد، أو موت قريب، أو عزيز، أو مرض، أو مصيبة: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ} [الحديد:٢٢ - ٢٣] تذكري أم سليم، وتذكري هذه العجوز: {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [الحديد:٢٣].