[سبب الخوف من الله]
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد:
تقول لي -يا عبد الله- مم أخاف؟ ولم أخاف؟
أقول لك: يا عبد الله! لأن وراءك أياماً طويلة، لم تستعد لها، فالويل شديد، والكرب عظيم.
سأل أحدهم أحد الصالحين قبل الوفاة فقال له: كيف تجدك؟ قال: كأن السماء قد أطبقت على الأرض وأنا بينهما، وكأن نفسي يخرج من ثقب إبرة.
وأحد الصالحين يقول: كأني أنشر بالمناشير.
وبعضهم يقول: كأن شوكاً يمر من أخمص قدمي إلى أعلى رأسي.
وكان بعضهم يبكي قبل الوفاة وهو يقول: لا أدري إلى أين يلقى بي.
بكى أبو هريرة قبل الوفاة فقيل له: وما يبكيك؟ فقال: [قلة الزاد، وبعد السفر، وضعف اليقين، وخوف الوقوع من الصراط في النار].
عبد الله! وراءك لحظة سوف تجلس فيها ولا شك، إلا إن كان الله قد استثناك في القبر وحدك لا أنيس ولا جليس، فيقول لك الملكان: من ربك؟ هل حقاً تنام على ذكر الله؟ وتستيقظ لله؟ وتقوم لله؟ وتصلي لله؟ وتركع لله؟ وتسجد لله؟ فيسأله الملك: من ربك؟ فيقول الغافل: هاه هاه لا أدري، ما دينك؟ هاه هاه لا أدري، ماذا تقول في الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقال له: أن كذب عبدي، فافرشوا له فرشاً من النار، وافتحوا له باباً إلى النار، تظن الأمر يوماً أو يومين، أو سنة أو مائة سنة، لا يا عبد الله! لعل الأمر إلى قيام الساعة يفرش له فراش من النار، ويأتيه من ريح النار وسمومها.
يا عبد الله! تقول لي: لم أخاف؟
أراك تجترئ على النظر إلى النساء، ثم بعدها لا تعلم أن بينك وبين الله موقفاً سوف تقف بين يديه، وأنه سائلك عما فعلت، فيقول: عبدي! تذكر ذنب كذا عبدي! تذكر تلك الخطبة تذكر ذلك الشريط تذكر ذلك الموقف تذكر تلك الدمعة، ما أراك قد استقمت على ما أردت يا عبدي! ما أراك قد استجبت لما أمرتك، ولا انتهيت بأمثالك عما نهيتك.
ثم يا عبد الله سوف تسمع -إن كنت من الغافلين- يوماً من الأيام النار تجر لها سبعون ألف زمام، مع كل زمامٍ سبعون ألف ملكٍ يجرونها، فهلا أعددت لذلك اليوم؟ النار ترمي بشررٍ كالقصر -شرارتها بحجم القصر- ما بالك بها؛ أما هي فهي مظلمة، وأما حرها فشديد، ضعفت عن نار الدنيا سبعين مرة.
يا من يفتح التلفاز ولا يبالي، وينظر إلى النساء والمسلسلات والأغاني، ضع إصبعك على النار هل أراك تتحمل؟ إن النار التي أعدها الله تَعْدل سبعين ضعفاً عن نار الدنيا.
يا من لا تتحمل إصبعاً في النار كيف تتحمل أن يشوى الجسد كله؟ {كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى * تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى} [المعارج:١٥ - ١٧] تعرف ما معنى نزاعة للشوى؟ أي: ينفصل اللحم والعظم من شدة حرها.
عبد الله! يجوعون فيها ويعطشون، فيقرب إليهم الغساق والغسلين والحميم والضريع وغيرها من طعام أهل النار أتعرف ما هي؟ صديدهم وقيحهم وما يسيل من فروج الزواني والزانيات، وما يخرج من قيحهم وصديدهم وما يسيل من جلودهم يأكلونه من شدة الجوع.
عبد الله! الحياة واحدة، والأمر لا ثاني له، والفرصة واحدة، والموت يأتي بغتة، وملك الموت لا يستأذن، حتى لا تأتي يوم القيامة فتقول: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} [الزمر:٥٦] لا تبكي يوم القيامة وتعض على كلتا يديك من الندم وتقول: {يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي} [الفرقان:٢٨ - ٢٩] حتى لا تأتي فتقول: ليتني كنت تراباً، {وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً} [النبأ:٤٠].
يا عبد الله! كن صادقاً مع نفسك، ولا تخرجن من هذا المسجد إلا وقد حاسبت نفسك، فتتوب من المعاصي والذنوب، ولعل هذه هي الفرصة الأخيرة، ولعل هذه هي الخطبة الأخيرة وأنت لا تدري، ولعل الشمس لن تغرب عليك، ولعلك لن ترى أهلك بعد هذه اللحظة.
ما يدريك -يا عبد الله- فالموت يأتي بغتة، والنفس تخرج فلتة، وملك الموت لا يستأذن، والعمر واحد، والله عز وجل لا يضل ولا ينسى.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر اللهم أعداء الدين.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.
أقول هذا القول وأستغفر الله.