الله أكبر! الناس فوقه يظنونه في حفرة ضيقة ونحن المساكين وليس هو نحن في عذاب وليس هو، فقد فتح له في قبره مد بصره، وفرش له من الجنة، وتأتيه رائحة من الجنة، ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، يبكون وهم يخرجون من المقبرة، وهو يدعو الله أن تقوم الساعة، ينام نومة ثم يستيقظ على ماذا؟ يستيقظ حين يسمع صيحة فوقه؛ فإذا بالقبر ينشق، ثم إذا به يخرج يستمع إلى الناس وهم يبكون، والبعض منهم يدعو ثبوراً، والبعض منهم يضرب نفسه، حتى يقول المجرمون:{يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا}[يس:٥٢]؟ فيرد عليهم:{هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ}[يس:٥٢] هذا الذي كنا نقرأه في كتاب الله هذا الذي كنا نسمع به في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يقال لهم: أيها الناس! هلموا إلى ربكم، فيقف تحت ظل العرش أرأيت! الأمر سريع، يقف تحت ظل عرش الرحمن إنه من السبعة الأصناف من هم؟ رجل قلبه معلق بالمساجد، نشأ في عبادة الله، شاب أتته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله، الشهوة تدعوه، كان عنده قوة وجرأة لكنه يخاف الله، فإن كان من هؤلاء السبعة, فيكون تحت ظل عرش الرحمن.
إن الأمر -أيها الإخوة- حق وصدق وليس بالهزل كم يقف الناس؟ خمسين ألف سنة، أما هو فيقف كما بين صلاة الظهر والعصر، أرأيت الأمر كم هو؟ إنه لحظات، بالأمس كان في الدنيا فمات، ثم نام في القبر، ثم استيقظ، ثم يؤتى إلى الرحمن -إن كان يحاسب- فتعرض عليه أعماله عرضاً عبدي! أتذكر ذنبك؟ أتذكر تلك الليلة وذلك اليوم؟ قبل أن تلتزم كم كنت تفعل وتفعل لا تصلي الصلوات، تذكر يا فلان، لكنه التزم بشرع الله، وغير حياته، وإن عصى الله ستر على نفسه، يقول الله له تلك الكلمات العظيمة: سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم، فإذا بالكتاب يعطى باليمين، ومن شدة الفرح يولي إلى الناس، فيقول:{هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ}[الحاقة:١٩ - ٢٠] كنت متأكداً منه هذا اليوم، كنت أشعر أن هناك يوم قيامة، وكنت مصدقاً وواثقاً به، لهذا كانت آمالي كلها رجاء ذلك اليوم، والخوف من ذلك اليوم أيها الناس اقرءوا كتابيه! ماذا ترون؟ فيرون صلاة الفجر، وقيام الليل، وقراءة القرآن، والتسبيح والتهليل والتحميد والذكر، وطلب العلم، والدعوة إلى الله، وصحبة الصالحين ماذا يرون؟ عمرة وحج وجهاد وأذان وصلاة واستغفار.
اقرءوا كتابيه، إن كانت معصية سترها الله، بل لعل الله عفا عنها ومحاها، {اقْرَأوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ}[الحاقة:١٩ - ٢٠]، إلى أين يذهب؟ الأمر سريع ونراه قريباً، يحشر مع زمرة لعلها كانت معه في الدنيا أو تساويه في الدرجات يوم القيامة {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً}[الزمر:٧٣].
أخي الكريم! لم لا ترجو أن تتوب إلى الله، تخيل نفسك وأنت تمشي إلى الجنة! هل يحتاجون إلى مشي طويل؟ لا، {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ}[الشعراء:٩٠] تقترب منهم الجنة فإذا بهم قد انتظروا عند أبوابها، ولها ثمانية أبواب مغلقة، ما بين مصراعيها مسيرة أربعين سنة تخيل عظمها! يخرج منها ريح يوجد من مسيرة كذا وكذا، ويتقدمهم أفضلهم عليه الصلاة والسلام من هو؟ إنه محمد صلى الله عليه وسلم، ذلك الذي كنت طالما أسأل عن سنته وهديه، وأحب أن أقتفي أثره كيف كان يقرأ يصلي يتوضأ كيف كان يعلم الناس؟ كل هديه أسأل عنه، الآن رأيته بعيني يتقدم الناس، فيقدم على حلقة من حلقاتها، فيطرق الباب -والأمر حقيقة فادعُ الله أن تكون منهم- فيقول الملك: من أنت؟ فيقول:(أنا محمد -انظر إلى التواضع- فيقول له الملك: بك أمرت ألا أفتح لأحد قبلك، فإذا بالباب يفتح والناس ينظرون).
الله أكبر! هل تظن أنك سوف تتخيل كيف يفتح الباب وماذا يكون داخل الباب؟ مهما تخيلت، مالا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر:{فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[السجدة:١٧] كم هو الأمر؟ سريع ولن ندخل في تفاصيل الجنة، ولكن لمحة سريعة.