يقول مكحول رحمه الله أُعتقت بـ مصر -كان عبداً مملوكاً، وتَخَيَّلْ! المملوك إذا أُعتق مثل الأسير حين يرجع ماذا يتمنى؟ يذهب يرتاح، يترفه- قال: أُعتقت بـ مصر فلم أدع بها علماً إلا حويت عليه فيما أرى، يقول: كل نواحي مصر ما أظن فيها علماً إلا حصلت عليه، نحن نقول عن الكويت هذه البلدة الصغيرة هل حويت على كل علم فيها؟ تسمع بالعلماء لعلهم في منطقة أخرى ما هي بعيدة، إذا ما كان في مسجدي أو ما أحضر يقول: مصر كلها ما فيها علم إلا حويت عليه هل اكتفى؟ يقول: لا.
ثم أتيت العراق، ثم أتيت المدينة فلم أدع بهما علماً إلا حويت عليه فيما أرى، يقول: أول شيء مصر ثم العراق ثم المدينة هل بقي شيء يا مكحول؟
قال: ثم أتيت الشام فغربلتها وما تركت فيها شيئاً، ماذا بعد مصر والعراق والمدينة والشام؟ لم يدع علماً إلا حوى عليه فيما يرى!
انظر الهمة العالية، والله إنها لدقائق غالية تمر في أعمارنا وتمضي وتذهب، ثم يقلب الواحد منا كفيه، ثم يقول:{يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ}[الزمر:٥٦] يا حسرتا على هذا الشباب! يا حسرتا على الأوقات التي ضاعت! يا حسرتا على العمر! يا حسرتا على هذه الساعات! بل إن بعضنا يقدر أوقاته الضائعة ليست بالدقائق، بل يقدر الآن الوقت بالساعات، بل بعضنا بالأيام، تمر عليه الأيام تلو الأيام، ولم يستفد منها علماً انظر إليهم وقارن نفسك بهم.