للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حال السلف مع صلاة الفجر]

صرنا الآن نترجى فلاناً، يا أخي! صلِّ الفجر مرة في الأسبوع، وكان أحد السلف واسمه طاوس يطرق الباب على صاحبٍ له، فخرج هذا الرجل متعجباً فقال له: أتزورني في هذه الساعة؟! قال: ولمَ؟ ما ظننت أن أحداً من المسلمين ينام في هذه الساعة آخر الليل: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً} [المزمل:٦]

كان السابقون يجاهدون أنفسهم في قيام الليل، ليس في الفجر؛ فالفجر انتهينا منه، وهو صفحة قد طويت، وهذا كلام قد نسي الآن، وانتهى الأمر.

نتكلم الآن عن قيام الليل، تقول إحدى البنيات: صعدت على سطحٍ لي أنا وأختي، -بنيات صغار- في آخر الليل وما كنا نصعد إلا آخر الليل حياءً انظر للحياء! بنيات صغيرات لا يصعدن إلى سطح المنزل للعب واللهو إلا آخر الليل، حيث لا يراهن أحد.

وفي ليلة من الليالي صعدن فنزلن إلى البيت فقلنَ: يا أماه! قالت الأم: ما شأنكن؟ قالتا: يا أماه! ما حدث لذلك العمود الذي كان في سطح جيراننا؟ -كان هناك عمود خشبي الآن لا نراه- فضحكت الأم، وقالت: ليس ذاك بعمود، قلن: وما هو؟ قالت: ذلك منصور بن المعتمر كان يقوم الليل فمات، {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات:١٧] لا يوجد نوم في الليل؛ لأنه كلما أراد النوم تذكر جهنم وقام، وكلما نعست عينه تذكر الجنة فطار فرحاً، حتى إنه يبكي على وسادته ولا تشعر به زوجته وهي تنام على نفس الوسادة، حتى تقول فاطمة: ما أظن أن أحداً من الناس أخوف من عمر بن عبد العزيز، تقول: قام من ليله فزعاً، فصلى وبكى حتى سقط على الأرض، تقول: حتى ظننته قد مات من شدة البكاء، (كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:١٧ - ١٨].

ولهذا تتعجب أن من السنة -واسمع إلى هذه السنة العجيبة الغريبة عندنا والمهجورة- أنك تنام بعد أذان الفجر إلى الإقامة، لتأخذ قسطاً من النوم، والعلماء قد اختلفوا فيها، تعرف لمَ؟ لأن بعضهم يقول: هذه لمن يقوم الليل، وذلك حتى يرتاح شيئاً قليلاً لصلاة الفجر، ولهذا من السنة إذا أُذن الأذان الأول أنك تقف عن الصلاة، وتستغفر، وترتاح شيئاً قليلاً، أو إذا كنت تريد الصوم فتتسحر، هذا لمن يا عبد الله؟ لمن يقوم آخر الليل ليستعد لصلاة الفجر.

كان بعض السلف يقوم الليل؛ فإذا أذن الفجر كحل عينيه؛ لأنه كان يبكي ولا يريد أن يراه أحد فيعلم أنه كان يبكي، أو إذا أذن الفجر رفع صوته كأنه قام من النوم حتى لا يدري عنه أحدٌ أنه قام الليل، {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر:٩].