للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شاعر يصف عقوق ابنه]

واسمع إلى القصة الثانية: واسمع -يا عبد الله- إلى هذا العقوق، لتعلم أن ما خفي أعظم.

في السير أن أحد الأعراب وفد على الخليفة يبكي، فقال له: ما بك؟ قال: أصبت في ولدي بأعظم من كل مصيبة.

قال: وما هي؟ -تخيل شيخاً كبيراً يبكي، وتخيل رجلاً كبيراً في السن يبكي بين يدي الخليفة- قال: ربيت ولدي، سهرت ونام، وأشبعته وجعت، وتعبت وارتاح، فلما كبر وأصابني الدهر واحدودب الظهر، تغمط حقي، ثم بكى بكاءً مراً، وقال:

تغمط حقي ظالماً ولوى يدي لوى يده الله الذي هو غالبه

فبكى وأبكى كل من في المجلس.

أيعقل أن يكون في الأولاد من يأخذ المال من أبيه ظلماً؟!

أيعقل أن تصل الوقاحة في الشخص أن يظلم والده؟!

أيعقل أن يكون هناك في الناس عقوق مثل هذه العقوق؟!

اسمع ماذا يقول الشاعر على لسان الأب كأنه يخاطب ابنه، وكن أنت كأن أباك يخاطبك بهذه الكلمات، فاسمعها وعها يا عبد الله:

غذوتك مولوداً وعلتك يافعاً تُعلُّ بما أجري عليك وتنهل

إذا ليلة نابتك بالسقم لم أبت لشكواك إلا ساهراً أتململ

كأني أنا المطروق دونك بالذي طرقت به دوني فعيني تهمل

تخاف الردى نفسي عليك وإنني لأعلم أن الموت حتم مؤجل

فلما بلغت السن والغاية التي إليها مدى ما كنت فيك أؤمل

جعلت جزائي غلظة وفظاظة كأنك أنت المنعم المتفضل

فليتك إذلم ترع حق أبوتي فعلت كما الجار المجاور يفعل

يا ليتك عاملت أباك كما يفعل الجار! يا ليتك جعلته كالصاحب! كم وكم من الناس من يزعمون الصلاح ومن يتظاهرون بالإسلام، ومن يتمسكون ببعض السنة؛ يحسن إلى صاحبه، ويعامل أصدقاءه بأحسن معاملة، فإذا جاء لأبيه وإذا جاء لأمه، اسمع لكلمات العقوق، واسمع للرفض، إذا قالت له أمه: أريد زيارة فلانة؟ قال: ألا يوجد غيري في البيت؟! اذهبي إلى فلان، ليذهب بك فلان، سبحان الله! أما إذا قال له صاحبه، وصديقه وجاره وخليله، فإنه لا يتأفف ولا يتردد، بل يستجيب أيما استجابة.

عبد الله: أسمعت بعقوق كهذا؟! أسمعت في الناس من يفعل مثل هذه الأفعال؟!