يبدأ ذلك اليوم كما أخبرناكم بذلك المشهد الكئيب، ولعله يكون ما يتدارك نفسه بحادث سيارة، ولعله يكون وهو نائم مسكين ولا يشعر، ينام فإذا هي النومة الأخيرة لا يستيقظ بعدها، ما أدرك نفسه وما تداركها، وكان دائماً يقال له: تب يا فلان! استقم يا فلان! صل، الصلاة عمود الإسلام، يقول: إن شاء الله من الغد، إن شاء الله من رمضان القادم بعد رمضان، إن شاء الله من الحج، بعد الحج إن شاء الله، بعد الزواج إن شاء الله، لما أفعل وأفعل، فإذا به لا يتدارك نفسه إلا وملك الموت عند رأسه، فيقول لها والناس من حولها يبكون: يا أيتها النفس الخبيثة؛ اخرجي إلى سخط من الله وغضب.
كيف تخرج؟! الروح تتفرق في الجسد ولا تستطيع الخروج، لا تتحمل الخروج، كيف تخرج إلى سخط من الله وغضب؟! فيبدأ ملك الموت ينزع:{وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً}[النازعات:١ - ٢] تنشط الروح وتتوزع في الجسد، وملك الموت ينزع كما ينتزع السفود من الصوف المبلول، تعرف كيف ينزع الروح؟ ينزعها بقوة حتى تتقطع العروق والمفاصل، ألم ترَ رجلاً يحتضر؟ ألم تر بعضهم كيف يصرخ؟ ألم تسمع بهم كيف ينوحون؟ إن بعضهم يتغير لون وجهه، يزرقُّ وتزرقُّ عينه من شدة الألم والتعب، لا إله إلا الله! إن للموت لسكرات لا يشعر الإنسان عندها بمن حوله.
ينزع تلك الروح؛ فإذا نزعت كانت كأنتن ريح وجدت على وجه هذه الأرض، رائحة والله لو شمها من حوله لما استطاع أن يقف بجانبه، كأنتن ريح جيفة على وجه الأرض، أين ذلك الوجه الجميل؟! أين تلك الرائحة العطرة؟! أين ذلك الشكل الحسن؟! كأنتن ريح جيفة على وجه الأرض، يحملها ملك الموت، أتعرف أخي الكريم أن هذا الرجل وهو على الفراش يرى ملائكةً مد البصر؟ يرى وجوه ملائكة العذاب مد بصره قبل أن تخرج الروح، عرف المصير، وعرف أين هو المستقر، يأخذ الملائكة الروح كل ملك يدفعها إلى مَن بعده؛ لا يريد أحدهم أن يوصلها إلى السماء، فلما تأتي إلى السماء الدنيا، تسألهم ملائكة السماء: روحُ مَن هذه الخبيثة فيقولون: روح فلان بن فلان بأقبح اسم له على وجه الأرض، ثم لا تفتح لهم أبواب السماء:{لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ}[الأعراف:٤٠] نعوذ بالله.
أخي الكريم! سل الله العافية، إذا لم تفتح لك أبواب السماء فإنه لا جنة بعدها {لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ}[الأعراف:٤٠] أين يذهب بها؟ تقذف من السماء إلى الأرض، والأمر حقيقة لا جدال فيها {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ}[الطارق:١٣ - ١٤] لا تتحمل أن تسقط من أعلى بناية، فكيف لو تسقط من السماء الدنيا، تطرح روحه إلى الأرض طرحاً تقذف من السماء.
عبد الله أتعرف أين تأتي هذه الروح؟ تأتي وقد حملت على الأكتاف وهي تصيح وتقول لمن يحملها على الأكتاف: يا ويلها! أين تذهبون بها؟! {إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ * فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى}[القيامة:٣٠ - ٣٢] ماذا يتذكر في الدنيا؟! لياليه أين قضاها؟! أيامه هل كان يستيقظ على صلاة الفجر أم على ذكرها وحبها؟! هل كان يذكر بلسانه الله جل وعلا؟! أم كان في الأغاني وكان في الأفلام والمطربين والمطربات؟! ماذا كان يقرأ؟! هل كتاب الله أم المجلات الخليعة الماجنة؟! ماذا كان يسمع؟! هل ذكر الله والكلام العطر والطيب النزيه، أم كان يسمع ويتكلم في أعراض الناس وكان يتكلم بالفحش والبذاءة؟!