[عذاب النار]
الآن يبدأ المصير، والآن تبدأ الجلسة، والآن استمع وتخيل، وإياك إياك عبد الله أن تتواكل على رحمة الله وتنسى أن الله شديد العذاب، يقال له -والله عز وجل ينظر إليه ويكلمه-: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ} [الحاقة:٣٠ - ٣٢] سلسلة كل حلقة منها كحديد الدنيا، تدخل هذه السلسلة في منخره وتخرج من دبره، ثم يجر على وجهه إلى جهنم، فلما يقترب منها ينظر إلى الملائكة تستقبله في النار، فتقول له الملائكة: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ} [الزمر:٧١] فتذكر هذا المجلس، وتذكر هذه الكلمات -التي أنت تسمعها الآن- إن لم يوفقك الله للتوبة.
يدخل النار الفاجر فماذا يرى فيها وقد فتحت أبوابها؟
أول ما يدخلها يجدها سوداء مظلمة، لا يستطيع أن يرى فيها شيئاً، نارٌ سوداء والعياذ بالله {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ * كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [المرسلات:٣٢ - ٣٣] إذا دخلها الفاجر يتذكر ذنوبه في الدنيا، ما نفعته تلك المرأة! أين أمواله التي كان يجمعها؟ {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة:٢٨ - ٢٩] ما نفعه ذلك الجاه! أين منصبه؟ أين خدمه؟ أين حرسه؟ أين ذلك المنزل الذي كان لطالما ترك الصلاة لأجله؟ كان يجلس في البيت فيؤذن المؤذن فيستمر في تنظيفه وتلميعه وترتيبه، فينسى ذكر الله والصلاة، هل نفعه البيت؟ أم نفعته تلك الأرصدة التي كان يعدها عداً؟ المسكين يحسب أن ماله أخلده! أم تنفعه تلك المرأة التي كان يتبعها ويلحقها ويركض خلفها، وينسى ذكر الله والصلاة والعبادة وقيام الليل والدعاء؟
نسي كل هذا، ثم أول ما يرى جهنم {يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْأِنْسَانُ} [الفجر:٢٣] يتذكر ماذا؟ ذنوبه في الدنيا {وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} [الفجر:٢٣] يتذكر يوم كان أمام الناس صالح، أما إذا جلس لوحده في البيت يفعل ما يفعل، كلما خلا بمحارم الله انتهكها، لا يرده عن ذلك شيء، إنما كان يعبد الناس لا يعبد الله، كان إذا صلى يرائي، وإذا تصدق يرائي، وإذا حج يرائي، وإذا اعتمر يرائي، وإذا صام يرائي، كل أفعاله رياءٌ في رياء، فإذا اختلى بمحارم الله انتهكها، الآن يبدأ مصيره، إذا دخل النار -أعاذنا الله وإياكم منها- ماذا يجد في النار؟ {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا} [الأعراف:٣٨] يرى أصحابه في النار، من هم؟ الذين كانوا يصدونه عن الذكر وعن الصلاة.
وعندما قرر في يوم من الأيام التوبة وعزم عليها، وقال: إني تبت الآن، وقال: يا رب عوداً إليك، هذا عهد جديد بيني وبينك فلما ذهب إلى الصلاة ناداه صاحبه فقال: يا فلان عندنا سهرة! يا فلان تعال معنا نسافر! تقول له: أصلي، يقول لك: تصلي وأنت الآن شباب! لا تضحك على نفسك، لا تتعقد ولا تتزمت، تعال معنا وتشبب، قال: أريد أن أذهب إلى الصالحين، قال: إنهم معقدون، إنهم إرهابيون، إنهم متشددون، تعال معنا نتمتع بالحياة.
ثم إذا دخل إلى النار رأى صاحبه قد سبقه إليها {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا} [الأعراف:٣٨] الآن اجتمعوا كلهم في النار، ماذا يطلبون؟ {قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا} [الأعراف:٣٨] يا رب! هذا الذي أضلني، يا رب! لطالما كنت أريد التوبة فصدني عنها، يا رب! كلما أردت التوجه إليك صدني ومنعني وأغراني بالمعاصي، يا رب! يا رب! {قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ} [الأعراف:٣٨].
فيرد الله عز وجل عليهم جميعاً: {قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:٣٨] كل واحد منكم سوف نزيده الضعف في العذاب لماذا صددت عن ذكر الله؟! فصاحبك ما ربطك؟ وما قيدك؟ وما منعك من الصلاة؟ وما كان له عليك من سلطان إلا أن دعاك فاستجبت له أيها الضال الكافر! {لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:٣٨]، وإذا دخل أهل النار النار يحترقون فيها {كَلَّا إِنَّهَا لَظَى} [المعارج:١٥].
يا عبد الله! يا من أغرته الملاهي! يا من أغرته الأغاني! يا من كان طوال حياته يجمل وجهه! يتزين أمام المرآة! ويذهب إلى دولٍ كثيرة يطلب الصحة والعافية! يا من كان يجمع المال ويعده عداً، أتعرف ماذا يأكل أهل النار؟ أم ماذا يشرب أهل النار؟ أم كيف يعيش أهل النار؟
عبد الله: إياك إياك أن تكون موقناً أنك لست من أهلها، إن الرجل العاقل هو الذي يخاف من النار ويخاف أن يقع فيها.
أما لباسهم فقد قال الله عز وجل عنه: {سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ} [إبراهيم:٥٠] نحاس مذاب، أرأيت النحاس المذاب كيف يكون حاراً لا تستطيع أن تضع يدك عليه؟ إنهم يلبسونه لبساً {فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ} [الحج:١٩].
أما الفرش: {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ} [الأعراف:٤١] ينامون على النار، ويلبسون النار، فماذا فوقهم؟ {وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ} [الأعراف:٤١] أتريد ظلاً؟ أتريد برداً؟ {مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ} [الزمر:١٦] النار من فوقهم، ومن تحتهم، وعن أيمانهم، وعن شمائلهم، النار يلبسونها لبساً.
أما طعامهم فيخبر الله عنه بقوله: {أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ} [البقرة:٧٤] أما الطعام فإنه النار نعوذ بالله، قال بعض السلف: "إن عذاب الجوع في النار يعدل عذاب النار كله" يجوعون فيطلبون الطعام فيعطيهم الله عز وجل طعاماً أتعرف ما هو؟ يا من أغراه طعام الدنيا فأكل الحرام وقد أغناه الله بالحلال! يا من كان لا يكفيه طعام الدنيا، فيأكل من هذا، ويتلذذ بهذا، حتى وصل إلى الحرام فبدأ يأكل منه! أتعرف ما عقوبة أهل النار وماذا يأكلون؟ يأكلون من الزقوم: (لو أن قطرة من الزقوم قطرت في الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم) كيف بمن يكون طعامه؟!
عبد الله: إن الأمر حقيقة، لا تظن أن الأمر هزل {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} [الحاقة:٤٠] {وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} [الطارق:١٤].
{إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ} [الدخان:٤٣ - ٤٤] يأكلونها، أتعرف ما الذي يحصل بعدها؟ {كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ} [الدخان:٤٥] إذا أكلوا الزقوم فإن البطون تغلي {كَغَلْيِ الْحَمِيمِ} [الدخان:٤٦] ثم {خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ} [الدخان:٤٧] يدفع دفعاً، ويسحب سحباً إلى وسط الجحيم، ثم بعد هذا ماذا؟ {ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ} [الدخان:٤٨] ثم بعد هذا ماذا؟ {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان:٤٩] كنت عزيزاً في الدنيا، كنت في الدنيا إن دخلت مجلساً قام الناس لك، وإذا مررت في مكان هابك الناس، وسلموا عليك ولم يستطع أحدٌ أن يتكلم في مجلسك؛ لأنك أنت العزيز الكريم، والآن ذق إنك كنت في الدنيا تتكبر على الناس وتتفاخر عليهم، أما اليوم فذق إنك أنت العزيز الكريم.
يجوعون فيأكلون طعاماً، واسمع إلى هذا الطعام {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ} [الغاشية:٦] نباتٌ فيه شوك، يأكلونه، أتعرف ماذا يحدث لهم؟ {وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً} [المزمل:١٣] تغص به الحلوق، فلا يستطيع أن يخرجه ولا أن يبتلعه، فيطلب من الله عز وجل الماء {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً} [الكهف:٢٩] أردت الماء؟ تُعطى الماء ولو كنت من أهل النار، فلما يقترب من الماء تسقط فروة رأسه من شدة حره -الأمر حقيقة- {يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً} [الكهف:٢٩].
عبد الله: هل لا زلت مستمراً على الأغاني؟! أبعد هذا لا زلت تصر على ترك الصلاة؟! أبعد ما سمعت من عذاب أهل النار لا زلت تصد عن ذكر الله؟! إن أنت إلا في غرور، إي والله إنك في غفلة، توشك أن تكون ميتاً.
استمع أيضاً إلى عذاب أهل النار ولعلك إلى الآن لم تستجب، وإلى الآن لم يرق القلب، وإلى الآن المسكين يظن أنه يقوى على عذاب النار.
أما إن سألت عن أهل النار وعما يحصل لهم من عذاب؟ إنهم في النار ينظرون إلى أهل الجنة يتنعمون، وهو في النار يقول الله عز وجل له: انظر هذا مكانك في الجنة؛ ليزداد حسرة على حسرة {وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا} [سبأ:٣٣] كل هذا الحر وكل هذه النار وكل هذا الجحيم، ومع هذا توضع الأغلال في عنقه، يشوى في النار كما يشوى الجراد والسمك، أرأيت كيف يشوى على النار؟ (ناركم هذه جزءٌ من سبعين جزءاً من نار جهنم).
أسمعت عن صرخات أهل النار؟
يقول تعالى: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [فاطر:٣٧] ربي أرجعني إلى الدنيا، والله لن آكل درهماً ربا، سوف آمر زوجتي وبناتي بالحجاب، وأؤدي زكاة مالي، ولن أتخلف عن صلاة الفجر يوماً واحداً، يا رب أرجعني إلى الدنيا وسوف وسوف فيرد الله عز وجل عليه: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر:٣٧].
فهم في النار قد أنهكهم حرها ولهيبها، وباتوا من الجوع والعطش يأكلون -أجاركم الله- من صديد أهل النار، إن جلودهم تتشقق فيخرج منها الصديد فيأكلونه قبل أن تحرقهم النار {كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى} [المعارج:١٥ - ١٦] أتعرف ما معنى: نزاعة للشوى؟ ينفصل الجلد واللحم عن العظم من شدة حرها {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} [النساء:٥٦] إلى متى؟ هل يخف العذاب في النار؟ لا.
ولكن يقول الله: {فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَاباً} [النبأ:٣٠].
ثم ينظرون إلى مالك خازن النار ويقولون له: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف:٧٧] يا مالك! نتمنى أن نكون تراباً في النار يا مالك! نريد الموت.
يا مسكين! ما طلب الله عز وجل منك شيئاً، وإنما أراد منك خمس صلوات في اليوم والليلة فأبيت إلا النار! ما أراد الله عز وجل منك إلا جزءاً يسيراً من المال تؤدي به زكاة مالك فأبيت إلا النار، ما طلب الله منك شيئاً، أحل لك النعم كلها وحرم عليك بعضها، أحل لك النكاح فأبيت إلا الزنا، أحل لك جميع أنواع الشرب والمشروبات فأبيت إلا الخمر أن تشربها، ما طلب الله عز وجل منك شيئاً لكنك أبيت إلا النار.
{وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف:٧٧] فيرد عليهم مالك بعد ألف سنة فيقول لهم: {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف:٧٧] إنكم ماكثون في هذه النار، والسبب: {لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ} [الزخرف:٧٨] أتذكرون ذاك اليوم في ذلك المجلس؟ أتذكرون تلك الخطبة؟ أتذكر ذلك الشريط الذي استمعت إليه؟ أتذكر ذلك المجلس الذي جلسته وحدثك به رجلٌ صالح؟ أتذكر صاحبك الذي مات فلم تتعظ؟ أتذكر يا فلان؟! {لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} [الزخرف:٧٨].
لا ملجأ من الله إلا إليه، ليست هناك رحمة إلا رحمة الله، ليس لهم إلا الله فيلجئون إليه، ويدعون الله وهم في النار، فيقولون: {رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ} [المؤمنون:١٠٦] الآن تعترف، الآن لا ينفع الندم، فلطالما طلب منك الصالحون أن تلتزم وتهتدي ولكنك كنت تصر وتستكبر وتعاند، ثم الآن تعترف: {قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ} [المؤمنون:١٠٦] ماذا تريدون؟ {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [المؤمنون:١٠٧] أعطوا الله العهود والمواثيق، ووعدوا الله عز وجل: يا رب أخرجنا من النار فإن عدنا إلى ذنبٍ واحد فإنا ظالمون، يا رب أرجعنا إلى الدنيا فإن عصيناك معصية واحدة ولو كانت صغيرة إنا ظالمون، ما هي الإجابة؟ ماذا تتوقعون أن يرد الله عز جل عليهم؟ ماذا تظنون أن الله عز وجل يجيبهم وهم يحترقون في النار، وهم يصطلون بحرها ونارها وسمومها وجحيمها وزقومها، والغسلين والغساق، ماذا تتوقعون أن يجيبهم الله عز وجل بعد قولهم؟ {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [المؤمنون:١٠٧] تأتي الإجابة بقوله سبحانه وتعالى: {اخْسَئوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:١٠٨] وبعد هذا لا ينطقون، بعد هذا يعلمون أنه خلود فلا موت، خلودٌ يا عبد الله!
هل لك أن تتصور ولو لدقائق ما معنى خلود في هذه الحياة؟ {ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى} [الأعلى:١٣] أتظن أنك تستطيع أن تتحمل ذلك الحر؟ أم ذلك الجحيم؟ أم تلك النار؟ إن فروج الزواني لتسيل بالدم والقيح فيأكله أهل النار، إن في الجحيم عذابٌ والله لو نتخيله لا يستطيع أحدنا أن ينام الليل، إن أهل النار ليبكون ثم يبكون ثم يبكون فتنقطع الدموع فيبكون الدم؛ من شدة حسرتهم ومن الندم الذي يصيبهم.
عبد الله: هذا مصير مَنْ؟ مصير أهل الأغاني والطرب، مصير الذين صدوا عن الصلاة وعن ذكر الله، مصير الذين ألهتهم الحياة الدنيا، وغرتهم زخارفها وزينتها.