اسمع إلى هذا الشاب الذي ابتلي في دينه، وانظر إلى همته، إنه عبد الله بن حذافة؛ كان أميراً لسرية؛ وأنا أقص عليك هذه القصة لترفع همتك أيها الشاب، ولتترك هذا المرض المظلم، ولتقبل على الله جل وعلا بهمة تناطح الجبال.
هذا الشاب كان يقود سرية المسلمين، فقبض نصارى الروم على المسلمين وكان فيهم عبد الله قائدهم، وجاء ملك الروم إلى عبد الله بن حذافة وقال له: أتريد أن ترجع إلى أهلك؟ قال: نعم.
قال: أشاطرك نصف ملكي بشرط واحد.
قال: ما هو؟ قال: أن تتنصر وتغير دينك من الإسلام إلى النصرانية؛ فضحك عبد الله بن حذافة وقال:[والله لو أعطيتني الدنيا بما فيها على أن أترك هذا الدين طرفة عين ما تركته، قال الملك: ادخلوه السجن] ويدخلون عليه امرأة من أجمل النساء، وتجملت أمامه، وحاولت أن تفتنه، فإذا بها تخرج بعد زمن وتقول للملك:" لا أدري أأدخلوني على بشر أم حجر! لا أدري أأنا أنثى أم ذكر " تقول: لم يلتفت إليَّ طرفة عين، فغضب الملك.
انظر إلى الصبر على الدين، انظر إلى لذة الطاعة، جيء بالقدور وأحميت، ووضع فيها الزيت وتحته النار تشتعل، والزيت يغلي، فجيء بـ عبد الله بن حذافة وبصاحب له من أصحابه فإذا به ينزل حياً في قدر، في الزيت الذي يغلي، فاحترق حتى طفحت عظامه وشوي جلده، ونظر عبد الله، وقال الملك: الآن دورك، بكى عبد الله، فقال له الملك: خفتَ الآن قال: [لا.
والله ما خفت ولكن صاحبي هذا كان ينافسني دوماً في طاعة الله، أما الآن فقد سبقني إلى الجنة يا ليتني كنت مكانه، يا ليتني كنت مكانه، والله الذي لا إله غيره لو كان عندي أرواحاً بعدد شعرات جسمي لتمنيت أن تخرج كلها في سبيل الله] قال تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}[الأحزاب:٢٣].
أرأيت صاحب الهمة العالية يتقلب على الفراش، ويحلم أن هذه الرقبة تطير في سبيل الله.
ستقول لي: يا شيخ! هذا في الأزمان الماضية، أما اليوم فمستحيل.