[قوم صالح يطلبون معجزة ثم يكفرونها]
جاءهم في يوم من الأيام وكانوا جلوساً في نادٍ من نواديهم، فأمرهم بعبادة الله، فخرج أحدهم فقال: يا صالح! تريد منا الإيمان؟ قال: نعم.
آمنوا بالله وحده: {لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً} [الأنعام:٩٠] لا أريد المال ولا المنصب، ولا الزوجة ولا البيت، ولا أريد شيئاً منكم، أريد منكم أن تنقذوا أنفسكم من النار.
قالوا: يا صالح! نؤمن لك بشرط واحد.
قال: وما هو؟
قالوا له: أخرِج لنا من هذه الصخرة ناقة عشراء، أي: ناقة في بطنها جنين.
ثم ماذا؟ وفيها لبن يكفي القرية كلها، وكان في القرية ما يقارب خمسة آلاف بيت، وفي كل بيت مجموعة من الأفراد.
قالوا: وتؤمنوا؟
قالوا: نعم نؤمن.
قال: وعد بينكم وبين الله؟
قالوا: نعم وعد بيننا وبين الله.
فقام صالح عليه السلام يصلي، ويرفع يديه إلى الله، ويدعو ربه جل وعلا، فإذا بالناقة تخرج أمام أعينهم مبصرة، فخرجت هذه الناقة من الصخرة، وفي بطنها جنين، {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً} [الإسراء:٥٩] أي: أمام الأعين والناس ينظرون، فانبهروا، وآمن كثير من الناس، ولكن الأكثر منهم كفر، وغالبهم ظلموا أنفسهم: {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا} [الإسراء:٥٩].
قال: يا قوم! آمنوا، هذا وعد بينكم وبين الله.
ولكن طبيعة الناس أنهم يعِدُون الله، فلما يأتيهم بالآيات والبينات يكفرون ويظلمون، ويفجرون ويجحدون {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف:١٠٣].
فأخذ يدعوهم ويلح عليهم، يقول: هذه ناقة الله، ناقة شريفة، أضيفت إلى الله جل وعلا، لم تخرج كما خرجت النوق، إنما خرجت من صخرة، فهي ناقة مشرفة: {لَهَا شِرْبٌ} [الشعراء:١٥٥] أي: يوم لا تشربون شيئاً من البئر، ولا تشرب ماشيتكم {وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الشعراء:١٥٥] أي: وأنتم تشربون في اليوم الآخر.
مرت الأيام فجاءت بغيٌّ من بغايا قومه -وانظروا إلى النساء وكيدهن! - أهلك الله هذه القرية بسببها، فجاءت إلى رجل فقالت: أمكنك من نفسي بشرط واحد.
قال: وما هو الشرط؟
قالت له: أن تقتل هذه الناقة، وكان قد قال لهم صالح: {وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ} [هود:٦٤] أي: لا تعترضوا لها بسوء {فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ} [هود:٦٤] وقال: {أَلِيمٌ} [الأعراف:٧٣] وقال: {عَظِيمٍ} [الشعراء:١٥٦] كل هذه الأوصاف أوصاف لذلك اليوم، فجاءت البغي واشترطت على عشيقها أن يقتل هذه الناقة، وجاءت امرأة عجوز كافرة لها أربع بنات قالت: مَن يقتل هذه الناقة فإني أخيره من هذه البنات الأربع.