تجد الرجل الصالح المصلي الراكع الساجد إذا حكم على بعض الناس لا يحكم إلا بالظلم والإجحاف، أما الإنصاف فهو عزيز بين الناس، وهذا الأمر مفطور عليه أكثر الناس إلا من خالف هواه، فاسمع إلى الشعبي -عليه رحمة الله- ماذا يقول، وكأنه قد عرف الناس واختبرهم، فعرف معادنهم وحقيقتها، قال:[والله لو أصبت تسعاً وتسعين مرة وأخطأت مرة واحدة لعدوا عليَّ خطئي] ينسون تلك المحاسن، وسوف ينسون (٩٩%) من المحاسن والفضائل لخطأ واحد: {إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً}[الأحزاب:٧٢] فطبيعة الإنسان أنه ميال للظلم، ومحبٌ للجهل، هذه الطبيعة من أصل خلقته إلا إن خالف هواه ونفسه وزكى هذه النفس.
واسمع إلى حاتم الأصم كيف بلغ به المقام من حسن خلقه أنه يقول: ثلاث أظهر بها على خصمي: أفرح إذا أصاب فرحاً من منا عنده هذا الخلق إذا أصاب خصمه فرح؟
قال: وأحزن إذا أخطأ إذا وقع خصمي في الخطأ أحزن، وهذا هو حزن القلب وليس فرحه يا عبد الله! فإن من الظلمة من يفرحون إذا أخطأ خصومهم.
قال: وأحفظ نفسي كي لا تتجاهل عليه.
ذهب أحدهم إلى الإمام أحمد فقال له: أسمعت ماذا قال حاتم الأصم؟ قال: ماذا يقول؟ قال: يقول كذا وكذا، قال: سبحان الله! ما أعقله من رجل! من منا يصل إلى مستوىً من العقل والعدل والإنصاف مثله؟
قال سبحانه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ}[المائدة:٨] لا تنتصر لنفسك، ولا لحزبك، ولا تنتصر لقبيلتك، ولا لشهواتك، بل لله:{كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ}[المائدة:٨] فإذا تكلمت: {شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ}[المائدة:٨] أي: بالعدل والإنصاف: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا}[المائدة:٨] إذا كان بينك وبين فلان من الناس عداوة وخصومة، فإياك ثم إياك! أن تحملك هذه الخصومة على الظلم:{وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}[المائدة:٨].