للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حب قوم لوط لفاحشتهم]

هذا لوط عليه السلام يصيب قومه داءٌ عظيم، أتعرف ما هذا الداء؟

داء إتيان الذكور: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ} [الشعراء:١٦٥] يأتون فاحشة ما سبقهم بها من أحد من العالمين، يأتون الذكران أجلكم الله، وهذا حادث في بعض الدول في هذه الأيام للأسف!

فإذا به يأمر قومه وينهاهم ولكن للأسف لا مجيب ولا مستجيب.

فتأتي الملائكة في صورة ضيوف -واسمع لهذا الخبر فلكأنه يحكي واقعاً قريباً من واقعنا- فيسمع القوم بأن هناك ذكوراً ورجالاً قد دخلوا؛ فارتفعت الشهوة، وعَمِي البصر، وذهب العقل، وانمسخت الفطرة؛ فجاءوا إليه يهرعون ويركضون ويسرعون، قرعوا الباب على لوط، ففزع منهم: {وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ * وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ} [هود:٧٧ - ٧٨].

وتَخَيَّلْ نفسك يا عبد الله! وأنت في مثل هذه الحالة التي فيها لوط، قوم لا يعرفون الزواج، ولا يعرفون نكاح النساء، لا يعرفون -أجلكم الله- إلا نكاح الرجال بعضهم بعضاً، حتى لما طرقوا عليه الباب قال لهم: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ} [هود:٧٨] اتقوا الله، ألا رجل واحد رشيد؟!

يتبعون الشهوات، بل يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، فإذا جاءت مواطن الشهوات أتى الجميع يطلبون شهوتهم وتكالبوا وتآلبوا وتآمروا؛ وكادوا لأجل ذلك أن ينشروا الفاحشة في المجتمع.

ولأجل أن يقضوا الشهوات ويتمتعوا بشهواتهم جاءوا من بعيد يهرعون ويركضون، طرقوا الباب وقالوا للوط: {وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ * قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي} [هود:٧٧ - ٧٨] هؤلاء بناتي إي: تزوجوا بناتي، اتركوا هذه القذارة والنجاسة، فقد أعطاكم الله الحلال، أما ترضون إلا بالحرام؟!

{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ} [هود:٧٨] لا والله يا لوط! ليس هناك في القوم رشيد للأسف!

للأسف بعضهم يحصل على أرفع الشهادات، وأعلى المناصب وأكبر المنابر يركبها ويعتليها ثم هو ليس برشيد ليتكلم عن نفسه فكيف يتكلم عن غيره؟! {أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ} [هود:٧٨].

أتعرف بِمَ ردوا عليه؟!

{قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ} [هود:٧٩] تعلم يا لوط أننا لا نقبل بالزواج، ولا نرضى بالحلال، ولا نرضى إلا بالحرام والشهوات: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} [هود:٧٩].

التفت لوطٌ عليه السلام إلى الضيوف، فحزن وضاق صدره، فضيحة! فهم ضيوفه! ثم قال: {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً} [هود:٨٠] لو أن لي في هذه الظروف قوة أتَقَوَّى بها على رد هؤلاء الأعداء: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود:٨٠] رحم الله لوطاً! لقد آوى إلى ركن شديد، أتعرف أي ركن هذا أيها الداعية؟!

آوى إلى ركن الله، ليست هناك أسباب مادية، ضاعت القوة، جُوْبِهَ من جميع الجهات: مِن فوقه، ومِن أسفل منه، ومِن أمامه، ومن خلفه، أغلقوا كل الأبواب في وجهه، أرغموه على الفساد، وقالوا اقتحِموا بيته بالفساد؛ ولكنه آوى إلى ركن شديد.