للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بشارات السوء للفاجر في القبر]

عبد الله: في تلك اللحظات لا تنفع التوبة، تلك اللحظات لو يدفع الملايين لا ينفعه عند الله، لو يقطع جسده لله جل وعلا والله لا ينفعه كل هذا: (أيتها النفس الخبيثة! اخرجي إلى سخط من الله وغضب، قال: فتفرق في جسده، فينتزعها كما ينتزع السفود الكثير الشعب وهو الشوك من الصوف المبلول) حديد فيه شعب كثيرة، عليه الصوف ينتزع الثوب من هذا الحديد، أتعرف ما الذي يحصل؟ يتقطع ذلك الصوف ولا يخرج، ينتزع الروح وتتقطع الروح في الجسد من شدة نزعه: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً} [النازعات:١ - ٢].

(تتقطع معها العروق والعصب؛ فيلعنه كل ملكٍ بين السماء والأرض، وكل ملكٍ في السماء) كل ملك في السماء، بل بين السماء والأرض.

كم ملك يا عبد الله؟ أول ما تخرج الروح يلعنونه، اللهم العنه، اللهم العنه، اللهم العنه، يا عبد الله إنه دعاء الملائكة! يا عبد الله فكر إلى أين تسير! لكل أمرٍ نهاية! يا عبد الله والله مهما طال بك العمر فإن الموت يأتي بغتة! ولا مقدمات لخروج الروح، وسل كبار السن؛ كم عشتم في الدنيا، يقولون لك: أياماً معدودة، مرت كلمح البصر، كأنه حلم ثم ذهب، كأنها نومة استيقظت منها: (فيلعنه كل ملكٍ بين السماء والأرض، وكل ملكٍ في السماء، وتغلق أبواب السماء، ليس من أهل بابٍ إلا وهم يدعون الله ألا تعرج روحه من قبلهم، فيأخذه -يعني ملك الموت، الآن نزع الروح، اسمع وقارن بين الأول والثاني- فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين، حتى يجعلوها في تلك المسوح، ويخرج منها كأنتن جيفة وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الخبيثة، فيقولون: فلان بن فلان).

لا إله إلا الله! كان في الدنيا يحرص على رائحته الطيبة، كان يحرص على ثيابٍ زكية، كان يحرص على تسريحة شعره، يقف أمام المرآة الساعات الطوال، كان يحرص دوماً ألا يخرج إلا بأنظف الملابس وأطيب الروائح، ما بال الروح كأنتن جيفة وجدت على وجه الأرض، ما الذي جرى؟

نعم.

دنسها بالمعاصي، نعم نجسها بالخبائث والمنكرات.

(ما هذه الروح الخبيثة؟ فيقولون: فلان بن فلان، بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، حتى يؤتى به إلى السماء الدنيا، فيستفتح له، فلا يُفتح له -مصيبة يا عبد الله! نسأل الله العافية، إن كان الواحد منا ما فتحت له أبواب السماء فليبشر بهذه النتيجة- ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف:٤٠] فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابه في سجين -في الأرض السفلى- ثم يقال: أعيدوا عبدي إلى الأرض).

لعله مات وهو يعاقر امرأة بالحرام، قبحه الله ما صلى منذ شهر، ومات اليوم؛ أعوذ بالله، أما الصالحون فنفروا عنه، ولم يصل عليه أحدٌ من الصالحين، وما صلى عليه إلا كل مغرور لا يدري عن حاله، قبحه الله؛ مات وهو يشرب الخمر، أو انتحر بالمخدرات، قبحها الله من ميتة، اسمع: (فيقال: أعيدوا عبدي إلى الأرض، فإني وعدتهم أني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى، فتطرح روحه من السماء طرحاً حتى تقع في جسده) تلقى من السماء الدنيا إلى الأرض، تطرح يا عبد الله، انظر إلى المسافة هذه كلها، أما المؤمن فينزل، أما هو فإنه يطرح وترمى نفسه، والملائكة لا تنزله إلى الأرض؛ لأنه لا يستحق، إنما يطرح على الأرض طرحاً، اسمع إلى قول الله: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ} [الحج:٣١] ومن المشركين الذين لا يصلون يا عبد الله: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج:٣١].