للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية حضور القلب عند سماع القرآن]

السؤال

نحن نسمع القرآن من بعض القراء فنخشع، ونسمع من البعض الآخر فلا نخشع، فما هو السبب؟

الجواب

أولاً يا إخواني: المصيبة ليست في قراءة القرآن، القرآن قراؤه كثير ألم تصل العشاء؟ لقد قرأ الإمام فهل تذكر ماذا قرأ؟ كم صلاة صليتها وأنت لا تعرف ماذا قرأ الإمام؟ إنه يقرأ كلام الله، سواء سُمِعَ مني أو من غيري، لكن يحتاج الكلام إلى قلبٍ يستمع قلبٍ حاضر {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} [ق:٣٧] القضية هي القلب {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:٣٧].

أما الواحد منا -والله- لو يسمع رسول الله يقرأ عليه القرآن والقلب غافل ما استفاد منه، وإذا استمع من طفل صغير والقلب حاضر -والله- لخشع القلب، ألم يسمع عليه الصلاة والسلام من جبريل؟ ومع هذا طلب من ابن مسعود قال: (اقرأ علي، قال: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: اقرأ علي فإني أحب أن أسمعه من غيري، فأخذ يقرأ من سورة النساء فوصل إلى قول الله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً} [النساء:٤١]-أي: يوم القيامة- يقول ابن مسعود: نظرت وإذا عيناه تذرفان) يبكي.

ما الفرق بين قلوبنا وقلوبهم؟

يقول عليه الصلاة والسلام عن أبي بكر: (مروه فليصل بالناس، فتقول ابنته عائشة: إنه رجل أسيف لا يتحمل، إذا قرأ بكى).

هل كل الناس هكذا؟ متى آخر مرة بكيت وأنت تقرأ القرآن؟ متى آخر مرة خلوت بنفسك وذكرت الله وبكيت؟

صلى عمر ذات يوم بالناس، ولما وصل إلى قوله تعالى: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف:٨٦] فإذا به يبكي حتى سمع نشيجه من وراء الصفوف، وكان قبل سنوات يدفن ابنته حية في الرمال، أما الآن فها هو يبكي فانظر إلى القلب الحي!

انظر إلى غيره! بعض السلف قرأ قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ} [الأنعام:٢٧] فتوقف، فنظروا إليه فإذا هو قد مات، لم يتحمل هذه الآية.

قام عمر بن عبد العزيز يصلي وحده في الليل -إن العبد أمام الناس قد يبكي، أما إن كان وحده، فهنا تكون العبرة، وهنا يكون الإخلاص (ورجلٌ ذكر الله خالياً ففاضت عيناه) - قام يصلي وإذا به يقرأ، سورة القارعة -كم مرة قرأناها؟ كم مرة تلوناها؟ - {الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ * يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} [القارعة:١ - ٥] فإذا به يبكي ويبكي حتى خرَّ على الأرض صريعاً، ثم قام من بكائه يتجول في الغرفة، وهو يقول: [ويل لي من يوم يكون الناس فيه كالفراش المبثوث] أتعرف من هو؟ لقد أمضى ليله صلاة، ونهاره صياماً وعبادة وذكراً وجهاداً في سبيل الله، وهو يبكي ويخاف على نفسه، فماذا نكون نحن أيها الإخوة؟! (مر عليه الصلاة والسلام في الليل على الناس، فإذا به يسمع امرأة تقرأ وتردد: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية:١] وهي تبكي، فيقول عليه الصلاة والسلام: نعم أتاني، نعم أتاني، ويبكي معها عليه الصلاة والسلام) هل كنا مثلهم أيها الإخوة؟!

يقول أحدهم لصاحبه: اقرأ، فيقرأ له قوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ} [الشرح:١ - ٣] ينظر إليه فإذا به يبكي كما يبكي الصبي، يقول: هذا فعل برسول الله ذنبه أنقض ظهره فكيف بذنوبنا نحن؟

وأي ذنبٍ فعله رسول الله؟ إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله فيه: {الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ} [الشرح:٣] وزره وذنبه، فكيف نكون نحن أيها الإخوة الأعزاء؟!

يعرف الواحد منا عندما يقرأ القرآن كيف يقرأ؟ {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:٢٤] آية واحدة تفتح أن تفك قلبك، وترجعك إلى الله، آية لو تنزلت على الجبال الصم لتصدعت، فما بال قلبك؟

القضية أنه لا يوجد تدبر، ولا خشوع ولا تفكر، القلب منشغلٌ بالدنيا، فلا يأبه بكلام الله ولا يستفيد ولا يخشع ولا يلين، هذه القضية ليست قضية فلان يقرأ أو فلان لا يقرأ، وإن كان سبباً ضعيفاً، لكن السبب الأقوى والأعظم هو قلبك أخي العزيز: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:٣٧].

وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه أجمعين.