دخل الإمام أحمد على المعتصم فقال له المعتصم: يا إمام! قل مثل أصحابك فإني مشفقٌ عليك -أي: قل: إن القرآن مخلوق- لكنه ثبات على المبدأ والعقيدة، قل: القرآن مخلوق وانج بنفسك، فما قالها لأن القرآن كلام الله، فجاءوا إليه بأحد أصحابه، فقال له: يا إمام! قلها وانجُ بنفسك، فقال: يا فلان! انظر فنظر فإذا التلاميذ ألوفٌ مؤلفة بيدهم المحابر ينتظرون ماذا يقول الإمام أحمد؛ لينقلوا عنه للأمة؛ ليحفظ لها دينها.
فإذا بـ المعتصم يأمر الجلادين ثم يعلق ويضرب مائة وستين سوطاً، لو ضرب بها البعير لمات، وهو يقول كلما يفيق: لا إله إلا الله حسبي الله ونعم الوكيل، ثم بعد أن ضرب رمي بالسجن ثمانية وعشرين شهراً، ولما رمي في السجن وكان السجن مظلماً، والجو بارداً يقول: تحسست بيدي فوجدت ماءً بارداً فتوضأت، فأخذت أصلي حتى الفجر، انظر إلى العبادة! إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة ثمانية وعشرين شهراً سرد فيها الصوم كلها حتى ينجيه الله عزَّ وجلَّ مما هو فيه.
يأتيه الملك -الخليفة- ويتعجب من أمره، فيأتيه بالطعام اللذيذ -الطعام الطيب- ويقول الإمام أحمد: والله لا أذوق له طعاماً، فكان يأكل من السويق؛ أردأ أنواع الطعام، يأكله ليسد به جوعه حتى حمل بعد أن خرج من السجن على فرس كاد أن يموت، ورمي في البيت طريحاً وكاد أن يموت رحمه الله.
أرأيت العبادة؟! في أحلك الظروف وأضيقها صلاة وصياماً:{وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ}[هود:١١٤].