عبد الله: انظر إلى هؤلاء وأولئك أتعرف الفرق بينهما؟ الفرق أن الأول كان يريد الدنيا:{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ}[هود:١٥].
إذا قلت له: ما أمنيتك في الحياة؟
قال: أصير لاعباً.
وإذا قلت للآخر: ما هدفك في الدنيا؟
قال: أصير مطرباً.
وإذا قلت لآخر: ماذا تريد من الدنيا؟
قال: الشهادة الدنيوية، والمال، وذاك البيت، وهذه السيارات وهذا ماذا يريد؟ {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ}[هود:١٥] حتى يصير مطرباً وصورته في الجرائد، أو لاعب كرة ويعطى أعلى الجوائز، أو يصبح له أعلى الشهادات وأكثر الأموال، ويركب أفخم السيارات، ثم ماذا؟ {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[هود:١٦].
والشاب الذي تمتع في الدنيا ما بين لعبٍ ولهو، وأغانٍ وسفر، وسيارات وعاهرات وغيرها من الملهيات، فأتته ساعة الوفاة وهو يلعب، أو وهو نائم، أو وهو يضحك أو يلهو، أو في السيارة، وتذكر صاحباً لك، جيء بخبره أتذكر فلاناً؟ نعم.
كان معنا في المدرسة، أو كان يلعب معنا الكرة، أو كان يقود السيارة.
شاب صغير توفي بحادث انقلبت به السيارة وزهقت نفسه، تخيل أنك هو! أتته ساعة الوفاة، فإذا به ينظر من هذا؟ إنه ملك الموت، ما الذي أمامه؟ إنهم ملائكة، مد البصر، لقد خاف وارتعد، واضطرب وصرخ، وبدأ ملك الموت يجر الروح، من شدة الخوف لا تخرج الروح، إنما تتوزع في الجسد، وملك الموت ينزع الروح وهي تثبت، حتى تتقطع العروق والمفاصل، فلو رأيت حاله في تلك اللحظة لرأيته يصيح ويبكي، بل لعله كان رجلاً شجاعاً، فتراه ينتفض ما باله؟ إن ملك الموت ينتزع روحه {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً}[النازعات:١] يبكي وينظر من حوله، إما أن يكونوا أصحابه حملوه إلى المستشفى، أو لعل أمه تبكي، أو لعل أباه قد أتى بالطبيب، أو لعل الإخوة ينظرون إلى حاله، وهذا تدمع حاله، وهذا يبكي، وذلك ينوح، ومن حوله في وادٍ وهو في وادٍ آخر.
إنه يفارق المدرسة والصحبة والكرة مسكين! يفارق السيارة والفتاة التي كان يعشقها إنه فارق الدنيا {وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ}[القيامة:٢٨] غسل وإذا به في الكفن ووضعت رجله مع الرجل الأخرى {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ}[القيامة:٢٩] ويلها أين تذهبون بها؟ {إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ}[القيامة:٣٠] إلى الآن لقد ضيع حياته {فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى}[القيامة:٣١ - ٣٢] كان في الدنيا إن صلى فلأجل إخوانه وأصحابه، فإذا اختلى بنفسه لا صدق ولا صلى؛ بل لعله يرائي الناس، إن رأوه صلى، وإن لم يره أحد لم يصلِّ، لا يعرف من الدنيا إلا المرأة والضحك واللعب والكرة والسيارة.