للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاستعداد للموت]

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

أما بعد:

أيها الإخوة الكرام: الموت حق، وقل للأموات جميعاً إن كانوا يجيبون: هل منهم من قضى حاجته؟ هل منهم من أدرك آماله وأحلامه؟ هل منهم من حقق أمنياته؟ لا أظن هذا، بل أكثر الناس لو خرجوا من قبورهم لندموا على حياتهم على جلسة لم يذكروا الله فيها، فكيف بجلسة فيها حرام؟ كيف بسهرة فيها حرام؟ كيف بليلة حمراء يعاقرون الحرام، ويشربون الحرام، ويأكلون الحرام؟

تواعد ثلاثة نفر في ليلة حمراء يفعلون الفواحش -أجاركم الله- ويشربون الخمور، وفي الثلث الأخير من الليل قال أحد السكارى: سوف آتيكم بعشاء، وخرج بسيارته ولم يرجع، تأخر، فذهبوا في الثلث الأخير من الليل يبحثون عنه في الطرقات، يقول صاحبه: فوجدنا في ظلام الليل ناراً من بعيد فأسرعت باتجاه النار، فوجدت سيارة صاحبي تحترق قد أظلمت فيها النار، فجذبت صاحبي من بين النار، فأخذته وقد تفحم واحترق في الدنيا قبل أن يموت، فوضعته في سيارتي ولا يزال فيه نفس، ولا زالت به الروح، فأسرعت به إلى المستشفى ماذا صنع آخر حياته؟ لا تقل: آخر مرة أفعلها ثم أتوب، وهل تضمن أن الله يمهلك؟ لا تقل: هذا الربا آكله ثم أتوب، لا تقل: ألقاها وأواعدها وأنام معها ثم أتوب، هل تأمن مكر الله؟ {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:٩٩].

يقول: وضعته في السيارة وأسرعت به إلى المستشفى، وفي الطريق سمعت صوتاً غريباً يخرج منه ويقول: كيف أجيبه؟ كيف ألقاه؟ بِمَ أرد عليه؟ إذا سألني ماذا أقول له؟ فقلت له: من تقصد؟ من تريد؟ قال لي: الله بماذا أجيبه؟ {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا} [المؤمنون:٩٩ - ١٠٠] كذاب، نعم.

يكذب كلما قرر التوبة، وقديماً كان يتراجع عنها {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:١٠٠].

أتعرفون كم مليون إنسان في الأرض يموت؟ أتعرفون ما السبب؟ يموت وهو مريض بمرض الإيدز، ملايين يموتون، وملايين مهددون بالموت، والمرض ينتشر أكثر وأكثر، بل سمعت رجلاً ما زنا في حياته إلا مرة واحدة، سولت له نفسه فسافر إلى بلد فارتكب الفاحشة، ثم رجع إلى بلده وربما استقام وبعد أيام اكتشفوا أنه يحمل مرض الإيدز {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [القلم:٤٤ - ٤٥] والمصيبة أن زوجته ملتزمة وصالحة، فحملت منه مرض الإيدز إنا لله وإنا إليه راجعون! إذا ما خاف الناس من عذاب الله ومن عذاب الآخرة ألا يخافون من عذاب الدنيا؟ ألا يخافون من ابتلاءات الدنيا من الفضيحة والعار والأمراض والفتن والبلاء؟ ألا يخاف آكل الربا؟ إن لم يخف أنه يدخل في نهر من دم في قبره ويخرج يوم القيامة مصروعاً كالذي يتخبطه الشيطان من المس، ويعطى يوم القيامة رمحاً يُقال له: بارز ربك الآن {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة:٢٧٩] يبارز من؟ بارز ربك الآن، إن لم يخف آكل الربا من هذا كله، ألا يخاف في دنياه أن يحاربه الله في أولاده في أطفاله في جسده في صحته ألا يخاف؟ ما بال الناس لا يخافون؟

نعم! إن رحمة الله واسعة، وباب التوبة مفتوح، والله يغفر كل ذنب إذا تاب الإنسان قبل أن تبلغ الروح الحلقوم، وقبل أن يصل الإنسان إلى الغرغرة؛ فإن الله يقبل التوبة {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:٥٣] (من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه).

فلنسرع ولنقدم نجوانا بين يدي الله، ولنسرع إلى طاعة الله، ولنتب من ذنوبنا ومعاصينا؛ لعل الله أن يكفر عنا سيئاتنا.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر اللهم أعداءك أعداء الدين، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد، يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر.

اللهم انصر عبادك المجاهدين في كل مكان، اللهم سدد رميهم، اللهم ثبت أقدامهم، اللهم اجمع كلمتهم، اللهم رص صفوفهم يا رب العالمين، اللهم عليك بأعدائنا وأعدائهم يا رب العالمين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك.

اللهم منزل الكتاب، مجري السحاب، هازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم يا رب العالمين.

اللهم فرق جمعهم، اللهم شتت شملهم، اللهم اجعل الدائرة عليهم، اللهم أنزل عليهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.