أوجه حديثي لكل من أُسِر له حبيب، لكل من أُسِر له صديق، إلى أم الأسير، إلى ابن الأسير، إلى أخ الأسير في أنحاء الأرض جميعاً، أينما كان أسراهم، في سجون طواغيت الأرض، أوجه هذا الحديث، لعله يكون به تسلية.
إن يعقوب عليه السلام أُخِذ منه ابنه وهو طفلٌ صغير، ولم يكن قلبه متعلقاً بأحد أكثر من هذا الولد، يوسف الذي أوتي شطر الجمال، أُخذ من بين يديه وهو أقرب الناس إليه، أتعرف كم فقده؟ فقده منذ الطفولة إلى أن بلغ أشده، ثم أُدْخِل السجن قيل: تسع سنين، ثم صار عزيزاً في مصر سنوات طوال، لكن يعقوب عليه السلام هل يئس؟ هل قنط من رحمة الله؟ قال لبنيه:{اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}[يوسف:٨٧] قالوا له: إلى الآن ما مللت الدعاء؟! ما مللت الذكرى؟! ما مللت الأسف؟! ذهب الأسير، انقطعت الأخبار، ماذا قال يعقوب؟
{قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}[يوسف:٨٦] أنا لا أطلب منكم، لا أرجوكم، ولا أشتكي إليكم، إنما أشتكي لله.
إلى كل قريبٍ لأسير، طرقْتَ كل الأبواب وولَجْتَ كل السبل، وناديتَ مَن ناديتَ، لكن اعلم أن الأمر بيد مصرف الأمور، بيد الذي بيده مقاليد السماوات والأرض، إن كان هو أسير وأنت طليق فإن شاء الله تنقلب الأمور فتفرج الكرب ويفك الأسير، إن الأمر بيد الله:{إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[يس:٨٢] لم ييأس يعقوب، فإذا به بعد سنين طوال، يأتيه الخبر فإذا الله يَرُد عليه يوسفَ وأخاه، ويَرُّد عليه بصرَه، ويشكر الله على هذا.
الحجاج بن يوسف الثقفي -اسْمَعِي! - أوجه الحديث خاصة إلى أم الأسير، وإلى زوجة الأسير، وإلى ابن الأسير، اسمعوا هذه القصة، والقصة حقيقية!
الحجاج أحد الطغاة، الذي قتل ما يزيد على مائة وعشرين ألفاً من المسلمين، يداه تسيل بالدماء، يوماً من الأيام أسر شاباً من شباب المسلمين، أخذه أسيراً في سجنٍ من السجون، سمع عمه ابن محيريز، وهذا عابد زاهد، عالم ورع، سمع أن ابن أخيه قد سجن، من الذي سجنه؟ ومن الذي أسره؟
إن الذي أسره هو الحجاج بعينه، حاكم العراق في ذلك الوقت، فإذا بـ ابن محيريز يطرق الأبواب، ويذهب للوجهاء، وللعظماء وللكبراء علَّ أحداً أن يشفع له، ابن أخيه كابنه؛ لكنه لم يجد مجيباً، كل الناس خافوا، كل الناس أمَّلوه ولكن لم يستطع أحد، ولم يجرؤ أن يطرق باب الحجاج أحد.
ذهب إلى البيت حزيناً كئيباً، نام، غَلَبَتْه عيناه فنام، فجيء له في المنام فقال له قائل في المنام: يا ابن محيريز! قصدت الأمر من غير بابه -لم تحسن ولوج الأمر في الباب الصحيح- فقام فزعاً، فإذا به يتوضأ، ثم يصلي آخر الليل، ويلجأ لله جل وعلا، يقول الثقاة المحدِّثون:"إن الحجاج فَزِع من نومه واستيقظ، ونادى الحرس، والجيش، فقال لهم: أين فلان السجين، قالوا: لا زال حياً، قال: أخرجوه طليقاً الآن، فأُخرج من سجنه، يقول الثقاة المحدِّثون: لا ندري ما الذي جعل الحجاج يُخرج ذلك الشاب" أتدري ما الذي أخرجه؟