ومن ساعات الندم: ذلك اليوم الذي سماه الله يوم الحسرة، لم سمي يوم الحسرة؟ لما يتحسر فيه الناس ويندمون على ما فرطوا في هذه الدنيا، فإذا رأوا جهنم تذكروا الدنيا، وتذكروا الملذات، والناس إذا رأوا جهنم جثوا على الركب، وأيقن المجرمون أنهم بالعطب، وأفصحت جهنم عن الغضب، وهناك يقول كل واحد من الناس: نفسي نفسي: {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً}[الفرقان:١٢] يرى الناس جهنم وهي تجر، لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها، يقول النبيون نفسي نفسي، ماذا يقول المذنبون؟ ماذا يقول المسيئون؟ ماذا يقول المذنب؟ إذا كان الأنبياء يقولون: نفسي نفسي، ماذا نقول نحن يا عباد الله؟
{إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً}[المعارج:٦ - ٧] ثم نتذكر في ذلك الموقف: {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكّاً دَكّاً * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْأِنْسَانُ}[الفجر:٢١ - ٢٣] تلك الليلة التي فرح فيها أهل البيت عندما كانوا بجوار التلفاز، كم يفرحون؟ كم يسعدون بتلك الليلة؟ يتذكرها.
وتلك الليلة التي سافر فيها مع زوجته وأبنائه إلى دول الفجور والزنا والخنا، كانوا سعداء في الدنيا فيتذكرها، يتذكر تلك الليلة عندما كانت في السوق فنظر إليها فكلمها وكلمته وتواعد معها وقابلها، يتذكر تلك الليلة التي مر فيها على المنكرات فغض البصر، ولم يتكلم ولم ينه عن تلك المنكرات ولم يغيرها:{يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْأِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى}[الفجر:٢٣] يتذكر يوم قالت له أمه: افعل، فقال: لا أريد أن أفعل، ويتذكر يوماً من الأيام كان يقول لأمه: لم فعلت؟ ولم لم تفعلي؟ وكان يرفع صوته عليها، يتذكرها:{وَرَأى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفاً}[الكهف:٥٣]
يا غافلاً عما جاء في القدر ماذا الذي بعد شيب الرأس تنتظر
عاين بقلبك إن العين غافلةٌ عن الحقيقة واعلم أنها سقر
سوداء تزفر من غيظ إذا سعرت للظالمين فلا تبقي ولا تذر
لو لم يكن لك غير الموت موعظة لكان فيه عن اللذات مزدجر