[وصف الجنة وحال المؤمن فيها]
إن أول زمرة يدخلون الجنة كصورة القمر ليلة البدر، تخيل: كالقمر وما أجمل من القمر! يدخلونها تظن ماذا يرون فيها؟ إذا رأيت إلى صورهم وهم يدخلونها {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ} [عبس:٣٨ - ٣٩] يدخلون إذا رأيت ماذا ترى {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً} [الإنسان:٢٠] أربعة أنهار: نهر من لبن هل تتصور هذا؟ والله الأمر عجيب! أم هل تتخيل نهر من عسل يجري وليس أي عسل؛ إنه عسل مصفى من الذي صفاه؟ تخيل خمر لذة للشاربين! ليس كخمر الدنيا ماء يجري أنهار، قال بعض السلف: لا تجري في أخاديد إنما تجري على أرض الجنة المستوية.
تخيل كيف يجري عليها النهر؟ أرض مستوية ليس فيها أخاديد، قال سبحانه: {وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ} [الواقعة:٣١] قال بعضهم: ليس في أخاديد.
هكذا تجري على أرض الجنة، تخيل هذه الأنهار! ما بالك بالأشجار ما في الجنة شجرة إلا ساقها من ذهب، تخيل ولو لحظات! هل تتصور ظلها مائة عام يجري فيه الجواد المضمر مائة عام لا يقطع هذا الظل.
والله إنه ليكفي أن نتخيل هذه النعمة شوقاً إلى الجنة، تخيل القصور! بعضها من ذهب وأخرى من فضة، أتعرف لمن؟ لمن ألان الكلام، وأفشى السلام، وصلى بالليل والناس نيام.
أتعرف لمن؟ لمن تعب وظمأ بالهواجر -في النهار يظمأ وفي الليل يقوم- لمن يقرأ القرآن، لمن يطلب العلم (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجن) نعم! يدخل الحنة لكن بأي طريق؟ بطريق سهل ميسر.
أخي الكريم! أتعرف ماذا في الجنة؟ وإذا دخلت في القصر ماذا ترى فيه؟ حور عين، لو أن واحدة منهن نظرت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بين السماء والأرض.
لو تحمل شيئاً من الجنة بظفرك وأخرجته منها، لتزخرفت خوافق السماوات والأرض، سوار واحد لرجال أهل الجنة -وليس للنساء- إذا خرج من الجنة طمس نور الشمس فالأمر عجيب يا إخوة! {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً} [الواقعة:٣٥] من الذي أنشأهن؟ إنه الرحمن الذي أنشأ لك الحور العين!
عبد الله! تتركها لساقطة فاجرة متبرجة يأتيها أيام في الشهر تُنْتِن يأتيها زمن يرق عظمها وجلدها ثم تذهب إلى المقبرة.
عبد الله! كن صادقاً مع نفسك، واتق الله، ولتنظر نفس ماذا قدمت لغد؟
إذا كانت لك الحور العين بتلك الصورة فسوف أصف لك شابة يرى مخ عظامها من وراء اللحم كيف هي لطيفة ورقيقة! إذا كان الجلد واللحم من رقته لا يمنع رؤية العظم داخل الساق كيف هي يا عبد الله؟ لا ترى غيرك في الجنة ولم ترَ قبلك أحد، قاصرات الطرف لا ترى غيرك، كأنهن لؤلؤ مكنون، مغطى من جمالها وحسنها؟ كل أسبوع تزداد حسناً وجمالاً، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
يجتمع أهل الجنة يتذكرون ما كان يحصل لهم في الدنيا، كل أحد يقول: تذكروا عندما كنا نفعل كذا وكذا {قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} [الطور:٢٦] تذكرون كان لي صاحب في الدنيا لا أراه الآن سواء في العمل في المدرسة في الشارع في البيت من الأقرباء ليس هو معنا الآن في الجنة أين هو؟ {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ} [الصافات:٥١] في الجنة يتحدثون كان صاحب يمشي معي في كل مكان؛ لكن ترك يوماً من الأيام والتزم مع الصالحين ماذا قال له؟ {يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ} [الصافات:٥٢] كان عندما تبت ورجعت إلى الله، والتزمت مع الصالحين كان يقول لي: أإنك لمن المصدقين، أين تذهب تضيع نفسك شبابك حياتك وتربي اللحية، امشِ نسافر ونذهب السوق، وفلان وفلانة {يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَدِينُونَ} [الصافات:٥٢ - ٥٣] حتى نموت وحتى يبعثنا الله أياماً طويلة أإنا لمدينون؟
من صدقك أن الله سوف يحاسبنا، ونحن مسلمون والحمد لله، وبعد لحظة وإذا بالنار تكشف لهم وهم جالسون في الجنة، قال تعالى: {قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ} [الصافات:٥٤]، يقول لأصحابه في الجنة: ألا ترون؟ {فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} [الصافات:٥٥] رأى صاحبه في قعر النار يحترق نار تلظى، نزاعة للشوى، من حرها ينفصل العظم عن اللحم، وتتطاير بشرر كالقصر، يأكل ما يسيل من فروج الزواني؛ بل إذا تشقق الجلد وخرج الصديد تسابق إليه أهل النار ليأكلونه، يأكلون طعاماً ذا غصة وهو ينظر إليه، ابتلع الطعام من شوك تغص بها الحلوق، يريد أن يشرب الماء فيقترب منه ليشرب فعندما يقترب تسقط منه فروة الرأس {إِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهًَ} [الكهف:٢٩] يقول لأصحابه: هل أنتم مطلعون؟ {فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} [الصافات:٥٥].
والآن تبدأ المحادثة: من في الجنة يحدث من في النار! نعم.
إنها الحقيقة أحدث فلاناً الذي كان طالما يجرك من الهداية، ويمنعك منها، ويصدك عن الصلاة، ويشوه سمعة الصالحين، ويحدثك بالنساء، ويدعوك للزنا وللسفر إلى الحرام، والذي كان طالما يدعوك للحرام، الآن تراه وتحدثه وأنت في الجنة {قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ} [الصافات:٥٦] كدت تهلكني معك {وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} [الصافات:٥٧] ثم يلتفت إلى من حوله في الجنة، فيقول لهم: {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [الصافات:٥٨ - ٦٠] ثم ختم الله بتلك الآية: {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} [الصافات:٦١] لمثل هذا -أخي الكريم- قم لصلاة الفجر افتح كتاب الله واقرأ عندما يقال: الله أكبر فليكن حقاً الله أكبر لمثل هذا أخي الكريم! كف لسانك عن أعراض المسلمين بر بوالديك صل الأرحام اترك الفسقة الفجرة واستبدلهم بالصالحين {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} [الصافات:٦١].