[الحور العين]
تخيلوا أيها الرجال! أيها المؤمنون! ما للرجل في الجنة من الحور العين، الحورية الواحدة على رأسها تاج فيه لؤلؤ وياقوت، الياقوتة الواحدة خير من الدنيا وما فيها، تلبس سبعين حلة، هذه الحورية يرى مخ ساقها من وراء الحلل واللحم.
أرأيت إلى نعومتها وجمالها؟
يغنين لأزواجهن، بل أخبر الله أنهن: {قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [الرحمن:٥٦] {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً} [الواقعة:٣٥ - ٣٦] مهما وطأها الرجل ترجع بكراً {عُرُباً أَتْرَاباً} [الواقعة:٣٧] نفس السن: {لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ} [الواقعة:٣٨] أي: لأهل الصلاة، لأهل الذكر، الذين صبروا عن الحرام، وغضوا أبصارهم عن الحرام.
وإذا سأل النساء: هذا للرجال فمالنا؟ أما المرأة الصالحة إذا دخلت الجنة فإنها تكون سيدة على الحور العين، وجمالها لا يقارن بجمال الحور العين، وحسنها وكرامتها أعظم بكثير من الحور العين، لمن هذا؟ {لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ * ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ} [الواقعة:٣٨ - ٤٠] قال بعضهم يصف تلك الحور:
فلو أن حوراً في الدياجي تبسمت لجلَّى دجى الظلماء في الأرض نورها
ولو مُزِجَ الماء الأجاج بريقها لأصبح عذباً سلسبيلاً بحورها
ونصيفها -أي: خمارها- خير من الدنيا وما فيها.
يا من فرط في الصلاة لأجل شيء من الدنيا! يا من ضيع القرآن من أجل حطام الدنيا! ألا تعقل ألا تفكر ألا تنتبه لنفسك؟!
مالك بن دينار قال له رجل: رأيت فيما يرى النائم رأى رؤيا يُكلم عابداً زاهداً، تقياً لله، رجلاً ورعاً يسمى مالك بن دينار، يقول له رجل: يا إمام! رأيت فيما يرى النائم أن منادياً ينادي: الرحيل الرحيل، فما رأيت رجلاً يرتحل إلا محمد بن واسع؛ أحد الصالحين، أحد العباد، أحد الزهاد، يقول: ما رأيت أحداً يرتحل إلا محمد بن واسع.
فصاح مالك وبكى، ومن شدة البكاء سقط على الأرض مغشياً عليه {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} [الواقعة:١٠] هناك من سبق، هناك من وصل، هناك من بشر بالجنة وهو على الأرض يمشي {أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [الواقعة:١١ - ١٢] ألسابقون بجمع المال، أم السابقون بالشهوات، أم السابقون بالطعام والشراب؟ لا وربي، بل السابقون بقيام الليل، بالصلوات الخمس، بصلاة الفجر في الجماعات، السابقون بذكر الله.
يمشي النبي صلى الله عليه وسلم يوماً من الأيام فإذا به يقول للصحابة: (سبق المفردون، قالوا: من المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات) وقال صلى الله عليه وسلم: (من قال: سبحان الله العظيم وبحمده، غرست له نخلة في الجنة) فأين الذاكرون؟ النخلة في الدنيا يزرعها الإنسان شهوراً، ويتعب عليها شهوراً؛ لأجل أن يحصل على شيء من ثمارها وربما لا يحصل، أما في الجنة فما من شجرة إلا وساقها ذهب، ونخلة بالجنة لا تريد منك إلا ثواني معدودة (من قال: سبحان الله العظيم وبحمده غرست له نخلة في الجنة) الله أكبر!
كم تنتظر في الدنيا لأجل بيت من البيوت، أو شقة تسكنها؟ كم تجمع، وكم تتعب، وكم تنصب، ولا بد منها، هذه متطلبات الدنيا والحياة، أما بيوت الجنة؛ فلبنة من ذهب ولبنة من فضة لا كذهب الدنيا وفضتها، وملاطها ممسوحة بالمسك، الله أكبر!
ما راحتها، ما جمالها، ما منظرها؟ إنه ذهب وفضة ومسك كيف تحصل على بيت في الجنة؟ (من قرأ (قل هو الله أحد) عشر مرات بني له بيت في الجنة) كم مرة فعلتها اليوم؟ كم مرة صنعتها اليوم؟
أرأيت كم نحن مفرطون في الأجور والحسنات، وكم ضيعنا من الأوقات، وكم ضيعنا من الأعمار؟
إن بعض الناس لا يحلو له في سيارته من بيته إلى العمل، أو في أي مشوار إلا أن يضع أشرطة الأغاني والطرب والموسيقى، ولو استغل هذه الأوقات بذكر الله، وبقراءة القرآن، وباستماع الدروس والمواعظ، لكم قد بنيت له بيوت وبيوت في الجنة، وغرست له أشجار وأشجار في الجنة، ولكن: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} [الزمر:٥٦].