[بشارة الرسول صلى الله عليه وسلم لقريش بهزيمتهم]
كان محمد عليه الصلاة والسلام في العهد المكي -واسمع لهذا الخبر- يطوف حول البيت، فإذا بالمشركين يغمزونه، فإذا به يستغفلهم ويمضي، فيأتي في الشوط الثاني يطوف حول الكعبة -وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً- فإذا بهم يغمزونه فيستغفلهم، ثم في الشوط الثالث يغمزونه ويضحكون عليه، فإذا به يستغفلهم، ثم يأتيهم وهم يضحكون، فيقول: (تسمعون معشر قريش؟! فسكتوا، قال: أما والذي نفس محمد بيده! لقد جئتكم بالذَّبح -عندي القتل والموت، أُمِرْت أن أقاتل الناس- يقول الصحابي الراوي: والله لكأن على رءوسهم الطير) عزة المؤمن.
أبْشِر يا عبد الله! فإنك مهما كنتَ وحيداً فإن في قلبك هيبة، وإن في قلبك رحمة، وإنك إن مَشَيت في تلك المجتمعات الفاسدة والضالة وبين الضالين المجرمين فإن الله يوقع في قلوبهم منك الخوف والرهبة.
فإذا بأشقى القوم، من كان قبل قليل يسبه ويشتمه، يقول له: (انصرف أبا القاسم راشداً -وانظر إليه حين قال: أبا القاسم ولم يقل: محمد- فوالله ما كنت جهولاً) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:٧].
ألا تسمع يا عبد الله! أن الآلاف المؤلفة من الناس بعد أكثر من أربعين سنة من الشيوعية الحمراء التي تقول: إن القرآن جريمة، والأذان عقوبته لا تعد ولا تحصى، وإظهار دين الإسلام وشعائره جريمة يعاقِب عليها القانون، حفظوا دينهم، كيف حفظوه؟! وكيف أمِنوا من هذه الفتن وهذا الفساد بعد أن انكسرت الشيوعية؟!
يَخْرُجُ مِن موسكو - الشيوعية بلدِ الحديد والنار- آلاف مؤلفة كلهم يكبرون ويهللون ويقولون: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك) يخرجون يحجون إلى بيت الله الحرام.
والشاهد رآهم بأم عينيه في سيارات لا يتحمل أحدٌ أن يدخل فيها ولا ليوم واحد، وهم يأتون أشهراً طويلة وأياماً عديدة مديدة ليحجون إلى بيت الله الحرام، رأيت أحدهم -أيها الأخ الكريم- يحمل أمه العجوز وبيده شيخاً كبيراً وهو كبير في السن، ويحمل أمه على ظهره يطوف قرابة ساعة، بكل نشاط وبكل حب ورغبة في دين الله، يطوف بها حول البيت في وسط الزحام، وهو متشوق إلى جنة الرحمن، إنه نَصْر الله يا عبد الله، وَعَدَ اللهُ عز وجل: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة:٢١].
هذا محمد عليه الصلاة والسلام وصل إلى وضع لم نصل إلى ربعه يسجد عند الكعبة فيقول أحد المشركين: " من يذهب إلى سلى جزور بني فلان فيرميه على محمد " فيقوم أشقى القوم -والمسلمون حوله لا يظهرون إسلامهم، لا يستطيع أحدهم أن يلتفت نحو الرسول- ويأتي بسلى الجزور -قذارة- ويرميها على ظهر محمد صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، ولم يستطع عليه الصلاة والسلام أن يرفع رأسه من السجود، والصحابة ينظرون ولا أحد يتحرك وانظر يا عبد الله! إلى الضعف الذي مر به المسلمون.
وتنطلق فاطمة وهي بنت صغيرة تركض إلى أبيها رضي الله عنها، فإذا بأبيها ساجد عند الكعبة وعلى ظهره النجاسات والقذارات، فإذا بها تزيل القذر عن ظهر أبيها وهي تبكي، فأتم عليه الصلاة والسلام صلاته والمشركون ينظرون، والبنت تبكي، والصحابة مستخفون بإسلامهم، لا يستطيع أحد منهم أن يحرك ساكناً، فإذا به يلتفت إلى القوم ويستقبلهم، ثم يرفع يديه إلى السماء وهو يقول: (اللهم عليك بـ عمرو بن هشام، اللهم عليك بـ عتبة بن ربيعة، اللهم عليك بـ الوليد بن ربيعة، اللهم عليك بفلان وفلان -عدَّدهم واحداً واحداً، فسكت القوم- قال الراوي: والله لقد رأيتهم كلهم صرعى يوم بدر) {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} [القمر:٤٥] سيأتي يوم يُهزمون فيه، دعهم يتكلمون، ويغمزون، ويسخرون، دعهم يكيدون لك المكائد فإنما هم يحاربون الله: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وَأَكِيدُ كَيْداً * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً} [الطارق:١٥ - ١٧].