للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حسرات على أحوال المسلمين اليوم]

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً أدخرها لي ولكم إلى يوم المصير {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:٨٨ - ٨٩]، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، أرسله الله رحمةً للعالمين، فشرح به الصدور، وأنار به العقول، وفتح به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسانٍ وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

عباد الله: اتقوا الله عز وجل، واعلموا أني مطيلٌ فاصبروا واحتسبوا، وأسأل الله الإعانة لي ولكم، واسألوا وسائلوا:

سائلوا التاريخ عنا كيف كنا نحن أسسنا بناءً أحمديا

واليوم:

اسألوا التاريخ عنا كيف صرنا نحن أصبحنا مثالاً تبعيا

سامنا الأعداء ذلاً ومهاناً نال ذاك الشيخ منا والصبيا

أيكون المثل اليوم لينين وشارون وريغان الشقيا

أنسيتم الصديق والفاروق وذا النورين والصحب الرضيا

خاب من يستبدل الخير بشر يا من أنادي يا أخيا

إخوتي إن أخانا رافع التوحيد أما من سواه فعديا

وإن كان اسمه سعدا رضيا

يوم نقلب صفحات الماضي المجيد، ويوم نتدبر القرآن الكريم يوم يقول: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:١١٠] يوم نقلب ونتدبر ونتأمل؛ نأسى ونتحسر، نتحسر ونحن ننظر إلى واقعنا مع نظرنا لماضينا.

نتحسر يوم نجد البون شاسعاً والفرق هائلاً، نتحسر يوم كانت هذه الأمة تهابها فارس والروم، ثم أصبحت غثاءً كغثاء السيل.

نتحسر يوم كنا سادةً قادةً، ثم أصبحنا غوغاء أتباعاً.

نتحسر يوم صار عددنا ألف مليون مسلم، ثم لا قيمة لهم، ولا وزن، دماء الكلاب أغلى من دمائهم هذه الأيام.

نتحسر يوم نسمع بين الناس أخبار السافلين تملؤ الساحات ولا نسمع شيئاً عن أخبار المسلمين.

نتحسر يوم يقذف بالمئات كل يوم في ساحات الوغى من المسلمين، والأعداء بنا يتربصون ونحن ساهون لاعبون لاهون.

نتحسر يوم يرفع الناس أبطالاً على ساحات الوغى الخضر يلعبون ويقتلون أوقاتهم ويضيعون شبابهم وزهرة أعمارهم، ونتحسر اليوم أن الأبطال الحقيقيين في ساحات الوغى الحمر لا أحد يعلم عنهم، أو يقيم لهم وزناً، جراحٌ على صلبين كل يوم جديد يُنكأ الجرح الذي نكاد ننساه فيجمع من جديد، تلك جراحات الإسلام المحارب في كل أصقاع المعمورة، يتجمع عليه الكفر وأهله، يحاربون الإسلام وأهله {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ} [البروج:٨].

نتحسر يوم تجد الحيوانات من يناصرها ويؤيدها وينشئ لها الجمعيات التي ترفق بها والمسلمون لا يجدون من يعزيهم في شهدائهم في كل مكان ومآسيهم وجراحاتهم في كل زمان ومكان، بالمئات يموتون يومياً تهراق دماؤهم وتملأ السدود والأنهار، لم تبق بقعةٌ إلا ارتوت بدمائهم، نتحسر ونقول: هل سأل عنها أحد؟ هل قبض على جرحها أحد فداواه؟ هل على الأقل بكينا لأجلها، ولأجل ما يحل بها؟ نتحسر يوم تكون دماء شهدائنا رخيصةً في كل مكان لا لشيء إلا لأنهم ليسوا بفنانين ولا أصحاب قوميات ولا وطنيات، وطنهم لا إله إلا الله، وفنهم سبحان الله، وغناؤهم الله أكبر.

نتحسر يوم يرقد مليار مسلم لا يسمعون أنةً ولا صدىً لوقوع الأجساد على تراب فلسطين وأفغانستان، لم يرحم أحد أشلاءهم الممزقة، ولم يرحم أحد أطفالهم الرضع وشيوخهم الركع، لم يرحم أحد ثكالاهم اللائي ما فارقت الدموع مآقيهن، لكن يرحمهم أرحم الراحمين.

لمثل هذا يذوب القلب من كمدٍ إن كان في القلب إسلامٌ وإيمانُ

نتحسر ونتألم، ونقول: متى ينزاح السواد الحالك من الذلة والمسكنة، والتبعية المخيمة على هذه الأمة؟ متى ينزاح سواد الخنوع والركوع لغير الله جل وعلا؟ متى ينبري خالد وصلاح الدين والقعقاع، فيحرروا المسلمين من عبودية اليهود والنصارى والشيوعيين؟ متى يكون الأمان لأمة محمد صلى الله عليه وسلم أن تشهد أن لا إله إلا الله، وتدعو مطمئنةً دون خوف ترصُّد أو ترقُّب؟ لا يكون والله حتى نرى في نفوس المجرمين العلمانيين الذين يسرقون خيرات الأمة، ويدبرون لها المكائد في الظلام ما تقر به عيون الموحدين: {قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً} [الإسراء:٥١] {وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} [إبراهيم:٢٠].

متى نحيي في قلوبنا سورة (الأنفال) و (براءة) و (آل عمران) لننسف المنافقين والكافرين نسفاً {قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً} [الإسراء:٥١] لا إله إلا الله! ماذا دهى هذه الأمة ماذا أصابها؟ يوم ننظر لواقعها ونتذكر ماضيها يعصرنا الألم والأسى والحسرة، لا يملك الإنسان إلا أن يقول: أواه أواه لو تجدي أواه! أزماتنا متكررة ونحتاج لعودة للماضي وما تذكرناه إلا ذبنا ألماً.

إني تذكرت والذكرى مؤرقة مجداً تليداً بأيدينا أضعناه

أنى اتجهت إلى الإسلام في بلد تجده كالطير مقصوصاً جناحاه

كم صرفتنا يدٌ كنا نصرفها وبات يملكنا شعبٌ ملكناه

بالله سل خلف بحر الروم من عرب بالأمس كانوا هنا واليوم قد تاهوا

سل دمشق وسائل صخر مسجدها عمن بناه لعل الصخر ينعاه

هذي معالم خرس كل واحدةٍ منهن قامت خطيباً فاغراً فاه

الله يعلم ما قلبت سيرتهم يوماً وأخطأ دمع العين مجراه

استرشد الغرب بالماضي فأرشده ونحن كان لنا ماضٍ نسيناه

نذوب حزناً، ونقول ونتساءل: لم تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟

لم وصلنا إلى ما وصلنا إليه من التخلف والتأخر والانحطاط؟

لم نحن الآن في آخر الركب، بل قد تبرأ منا الركب، وقد كنا قادة الركب فيما مضى؟

فلنبحث عن الأسباب علنا أن نشخص الداء ونجد الدواء، والله المستعان!