ولو قلت -يا عبد الله- أنا أرجع في أصلي إلى فلان بن فلان، وماذا يا عبد الله؟ أنت تقاس بعملك الصالح وتقاس بصلوات الفجر وتقاس بذكرك لله، ومدى قراءتك للقرآن وتطبيقك لشرع الله، أما نسبك فلن ينفعك عند الله شيئاً، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام:(من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه) من بطأ به عمله، قصر في الطاعات والواجبات لم يسرع به نسبه عند الله ولن ينفعه نسبه.
وإذا وضع الصراط على النار يوم القيامة جاء الناس يمشون، فهذا يمشي كسرعة الريح وذلك كالجواد، وهذا يركض وهذا يمشي، وهذا يزحف وهذا يتلبط على بطنه فيقول: يا رب يا رب لمَ بطأت بي؟ فيرد الله جل وعلا عليه يوم القيامة فيقول:(إني لم أبطئ بك يا فلان، إنما بطأ بك عملك) لقد تخلفت عن الصلوات، لقد تخلفت عن قراءة القرآن، إنك لم تُحسن العمل معي، في الدنيا تأخرت عن الطاعات، وهكذا يتلبط على بطنه على متن جهنم نعوذ بالله وإياكم منها.
أقول هذا القول وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد:
جاء أبو ذر رضي الله عنه، ومن منا يعلو في عمله الصالح أبا ذر؟ ومن منا يستطيع أن يصل إلى مستوى أبي ذر رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ رأى أبو ذر رجلاً فقال له:[يا بن السوداء] وما يضر اللون وما ينفع؟ هذه هي حكمة الله جل وعلا أن جعل هذا أحمر وهذا أصفر وهذا أبيض وهذا أسود، نعمة من الله جل علا عليهم جميعاً، وجعل هذا من بلد كذا وهذا من بلد كذا، أم أنك اخترت أنك من بلد كذا قبل أن تولد؟ أم أنها بقدرتك وبشجاعتك وبذكائك اخترت أن تكون من لون كذا؟ أم أنك اخترت أباك وأمك يا فلان؟ كله بقدر الله جل وعلا قال أبو ذر:[يا بن السوداء] فسمع ذلك عليه الصلاة والسلام، ذلك النبي العظيم الذي أسس دولته على تقوى من الله جل علا، فلا فرق بين الناس إلا بالتقوى، فقال عليه الصلاة والسلام:(أعيرته بأمه يا أبا ذر؟ -فسكت- قال: أعيرته بأمه يا أبا ذر؟! إنك امرؤ فيك جاهلية) ولو كنت من العباد والزهاد، ولو كنت ممن تقوم الليل وتصوم النهار وتطعم المساكين، إنك امرؤ فيك جاهلية، نعم هي الجاهلية -ورب الكعبة- التي تجعل الإنسان يقيس الناس بألوانهم وبجنسياتهم وببلدانهم وبأصولهم فيحقر فلاناً، لأنه من أصل كذا أو من قبيلة كذا أو من بلد كذا:(أربع في أمتي لا يتركونهن من الجاهلية) والحديث صحيح، فإلى أن تقوم الساعة وهذه في أمة محمد ممن هم ضعاف الإيمان فدخلت الجاهلية في قلوبهم وانظر ماذا قدم قال:(الفخر بالأحساب).
اجتمع الناس يفتخرون بأنسابهم، كل منهم بحسبه وبقبيلته وبأصله، وكان بينهم سلمان رضي الله عنه فهذا قال: أنا ابن كذا، وأنا ابن كذا فقيل: يا سلمان! انتسب، فقال رضي الله عنه:[لا أعرف لي أباً في الإسلام، ولكني سلمان ابن الإسلام] نعم وصدق الشاعر:
دعي القوم ينصر مدعيه ويلحقه بذي الحسب الصميم
أبي الإسلام لا أبَ لي سواه إن افتخروا بقيس أو تميم
نعم افتخر بنسبك إلى كذا، أما أنا فأفتخر بنسبي إلى صلاة الفجر، أما أنا فأفتخر بنسبي إلى قراءة القرآن، أما أنا فأفتخر بنسبي إلى الدعوة إلى الله وإلى الجهاد في سبيل الله.