[مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته]
في شهر صفر من السنة الحادية عشرة للهجرة مرض أفضل الخلق عليه الصلاة والسلام، فسقط على الفراش، فجاء أهله وأحبابه يمرضونه ويجلسون عند رأسه؛ فاستأذن زوجاته أن يبيت عند أحب الناس إليه الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها، فجلس عندها تمرضه، وربما سُكِبَ الماء عليه لتخفض درجة الحرارة عنده صلى الله عليه وسلم، فأصيب بالحمى الشديدة، حتى قيل له: إنك تمرض لا كالناس.
قال: نعم.
أمرض لا كمرضكم، ثم أمر الصحابة أن يجعلوا أبا بكر يصلي بهم، فقال: (مروا أبا بكر فليصلّ بالناس) فلما صلى أبو بكر بالناس فتح النبي صلى الله عليه وسلم الستار، ولم يكن بينه وبين المسجد إلا ستار، ففتحه ونظر إلى أصحابه وهم يصلون خلف الصديق رضي الله عنه؛ فابتسم وفرح وقال: (يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر) لا يرضون إلا بـ أبي بكر رضي الله عنه، هي إمامة في الصلاة لكنها الإمامة والخلافة، وقيادة الأمة.
ويرجع النبي عليه الصلاة والسلام إلى فراشة، وتمر الأيام، ويخيم على المدينة حزن شديد أين رسولهم؟ أين نبيهم؟ أين حبيبهم؟ أين قائدهم؟ ما باله لا يصلي بنا؟ ما الذي ألم به؟ ما الذي جرى له؟ وتمر الأيام فيزداد كربه، فتدخل عليه فاطمة -رضي الله عنها- فتبكي وتقول: (واكرب أبتاه! واكرب أبتاه! فيقول لها: يا فاطمة! لا كرب على أبيك بعد اليوم).
وفي أيامه الأخيرة يذهب إلى البقيع قبل أن يشتد به المرض، ويستغفر لأموات المسلمين لم يبقَ إلا هذه الأيام وهذه السويعات، يذهب إلى المقبرة فينظر إليه أحد الصحابة في الليل فيقول له النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الله خيرني بين البقاء في الدنيا والملك وبين لقاء ربي والجنة.
فقال الصحابي: يا رسول الله! اختر البقاء في الدنيا والملك، قال: لا.
بل اخترت لقاء ربي والجنة).
وقبل أن يشتد به المرض قال في آخر خطبة له بين الصحابة: (إن عبداً خيره الله بين زهرة الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله) فسكت الصحابة، وإذا بأحدهم يبكي وينفجر بالبكاء؛ فينظر الصحابة فإذا هو أبو بكر، علم أن المخير هو رسول الله، خيره الله بين الدنيا وبين لقائه، فاختار النبي عليه الصلاة والسلام لقاء الله عز وجل.
اشتد المرض، وظل أبو بكر يصلي بالناس ثلاثة أيام، ثم جاءت الساعات الأخيرة، فاختار النبي صلى الله عليه وسلم وأبى إلا أن يموت ورأسه في حضن عائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها، فوضع رأسه في حجرها لما ألم به المرض، واشتد به الكرب، وضاقت به الدنيا لم تضق به إلا ورأسه عند عائشة رضي الله عنها، ودخل أخوها عبد الرحمن فرآه النبي صلى الله عليه وسلم يتسوك، قالت عائشة: (فقلت: آخذه لك؟ فأشار برأسه أن نعم.
فأخذت السواك فقضمته وطيبته ثم دفعته إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فاستاك به، ثم نظر إلى السماء، ثم قال: بل الرفيق الأعلى، بل الرفيق الأعلى، بل الرفيق الأعلى، ثم لفظ الشهادة، ثم فاضت روحه الطيبة إلى بارئها).