للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الانتكاسة بعد الالتزام]

السؤال

هناك شاب كان يحافظ على الصلاة، ويحفظ من كتاب الله شيئاً يسيراً، وفي يومٍ وليلة انتكس على عقبيه فترك الالتزام، حتى أصبح أهله يتضايقون منه، فما نصيحتك له؟

الجواب

غالبهم لم ينتكس في يوم وليلة، غالبهم بدأ الإيمان عنده يضعف والظاهر لم يتغير، بدأ الإيمان يفتر في قلبه شيئاً فشيئاً، أما الظاهر من لحية وثوبٍ وصلوات الفرائض وغيرها لا زالت ظاهرة سوية، ولكن الباطن اختلف وضعف.

التقوى هاهنا، التقوى هاهنا يا عبد الله: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكِر الله} [الرعد:٢٨] الإيمان بدأ يضعف في القلب، بدأ يفتر شيئاً فشيئاً، لم يظهر عليه شيء لكنه إذا فتح الجريدة والمجلة الخليعة نظر فيها، وإن جلس في مجلسٍ استساغ الغيبة والنميمة، بل يتكلم في أعراض الناس، بل يتأخر عن الصلاة، كان في الصف الأول ثم الثاني ثم الأخير، ثم بدأ يلحق ركعة أو ركعتين، ثم لا يدرك إلا الركعة الأخيرة، ثم السلام ثم الجماعة الأخرى، ثم بدأ يصلي في البيت، شيئاً فشيئاً، الإيمان بدأ يخمد وبدأ يذهب، ولكنه تمادى، واستهان بالأمر، وتساهل فيه حتى انتكس: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ} [المنافقون:٣].

اسمع يا عبد الله إلى هذا الرجل الذي وصفه الله جل وعلا في هذا الوصف، أقبح وصفٍ في القرآن: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا} [الأعراف:١٧٥] من اهتمامه والتزامه صار عالماً، بل أعلم بني إسرائيل: {آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا} [الأعراف:١٧٥] علم الشريعة: {فَانْسَلَخَ مِنْهَا} [الأعراف:١٧٥] ارتد وانتكس، تعرف ما الذي جرى؟ {فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:١٧٥ - ١٧٦] نعم.

هذا مستواه، وهذا وصفه، يدخل في دين الله، ويعرف القرآن، ولذة الإيمان، ويصلي مع الصالحين، ثم بعد أيام مع الفجرة الفاسقين، ويترك الصلاة وراءه، ويترك القرآن ويهجره، ويترك الصالحين إلى الفسقة والفجرة، أتعرف بم شبهه الله؟ قال الله تعالى: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف:١٧٦] أي لا فائدة منه فهو يلهث إن كان قد حمل عليه أو لم يحمل عليه: {ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:١٧٦] أنت إن رضيت بهذا المثل فاقنع بحالك يا عبد الله: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف:٢٩] {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} [الإنسان:٣] افعل ما بدا لك؛ لكن {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً} [الكهف:٢٩].

نعم.

افعل ما بدا لك في هذه الدنيا، فإنك تجازى به عند الله جل وعلا.

أقول: السؤال لعله قد يكون غير دقيق عند حال كثير من الناس، يصعب أن يكون في يومٍ وليلة إلا ما ندر، وإلا غالبهم بدأ الإيمان ينقص ويتساهل، ضعف الإيمان وتمادى، بدأ يقع في الصغائر ويتمادى، صغيرة تلو صغيرة حتى صارت الصغائر كالجبل، فأهلكت قلبه، ودمرت دينه وحياته، حتى كان كما قال الله جل وعلا: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الحج:١١].