ختاماً يا عبد الله! اسمع إلى هذه القصة:(جاء رجل كبير في السن إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد سقط حاجبه على عينيه من كبر سنه، وهو متكئ على عصا، فقال: يا محمد! إن لي ذنوباً لو وُزِّعت على أهل الأرض لأهلكتهم فهل لي من توبة؟ فقال عليه الصلاة والسلام: تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فقال عليه الصلاة والسلام: إذاً يبدلك الله بها حسنات -الله أكبر! السيئات كلها تنقلب إلى حسنات- فقال الرجل: وغدراتي وفجراتي؟ قال: يُبدلك الله بها حسنات، فولَّى الرجل وهو يقول: الله أكبر الله أكبر){وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ}[آل عمران:١٣٥] فاحشة: أي كبيرة من الكبائر {أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ}[آل عمران:١٣٥] أي: صغيرة من الصغائر، {ذَكَرُوا اللَّهَ}[آل عمران:١٣٥] تَذَكَّر الذنوب وتَذكَّر رحمة الله، فتاب ورجع إلى الله {ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ}[آل عمران:١٣٥] بشرط: {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[آل عمران:١٣٥] بشرط -يا عبد الله- أنك بعد هذا المجلس لا تصر على الذنوب والمعاصي لا تصر على نظرك إلى النساء، أو استماعك للأغاني، أو النوم عن صلاة الفجر، أو الغيبة والنميمة، أو بعض المعاصي التي تعرفها ولا يعرفها غيرك من الناس، لا تصر على الذنوب والمعاصي فهو شرط من شروط التوبة، يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح من طريق أبي بكر رضي الله عنه:(ما من رجل يذنب ذنباً، ثم يقوم فيتطهر، فيصلي ركعتين لا يحدث فيهما نفسه، إلا غَفَرَ الله له ذنبه)، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر:(لا يحدث بهما نفسه) أي: يصلي ركعتين فيخشع فيهما ويتدبر، ويتوب إلى الله عز وجل من هذا الذنب (إلا غفر الله عز وجل له ذنبه){إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً}[الفرقان:٧٠].
يُروى أن رجلاً كان يفعل المنكرات والمعاصي، وكان يشرب الخمور، وكانت عنده جارية تعني وغلام يعزف، وكان عند هذا الرجل قارب، وفي يوم من الأيام أرد أن يركب القارب ليتعدى النهر إلى الضفة الأخرى، فرأى شاباً عند ضفة النهر، أراد أن يعبر النهر، فقال: اركب معي، وكان هذا الشاب صالحاً فركب معه، وفي الطريق، بعد أن أكل الرجل الطعام وكان غنياً ثرياً، وأكل معه ذلك الغلام، أمر العبد والأمة أن يعزفا ويغنيا له، فبعد أن انتهيا من الغناء والعزف وشرب الخمر، قال لذلك الشاب: هل عندك مثل هذا؟ أي: مثل هذه الأغاني والعزف والطرب، قال: نعم، عندي أحسن من هذا، فظن الرجل أنه سوف يغني له، فأخذ يقرأ كلاماً من آيات الله عز وجل حتى إذا انتهى من قراءته، قال: حسبك! فشهق ذلك الرجل شهقة خرجت بها نفسه -الرجل الغني، صاحب الأغاني، صاحب الطرب- تاب إلى الله توبة خرجت بها نفسه، ويقال: إن المرأة -الجارية- تابت توبة نصوحاً، فأخذت تقوم الليل في كل ليلة، حتى وصلت إلى سورة الملك ففاضت روحها إلى الله عز وجل.
توبة يا عبد الله صادقة! إذا أردت أن تتوب فاعزم من الآن أنك إذا رجعت إلى البيت أن تترك جميع المعاصي والذنوب، كف عن الذنوب صغيرها وكبيرها، لا تقل: عندما يأتي رمضان، أو عندما أحج إن شاء الله، أو عندما أتزوج، أو عندما أترك هذا العمل أو أترك هذه الوظيفة بعد ذلك أتوب! لا يا عبد الله، لا تأمن على نفسك الموت، لا تأمن على نفسك أن تخرج روحك وأنت على هذه الذنوب والمعاصي.
بادر بالتوبة بادر بالرجوع إلى الله عز وجل، واعلم أنك سوف ترجع إلى ربك الذي يفرح بعبده العاصي إذا رجع إليه، طالما أذنبت وعصيت والآن يفرح بك.
الله أكبر! ما أرحمه، وما أوسع مغفرته تبارك وتعالى، وما أرأفه بعباده، إذا عصيته ثم رجعت فرح بك بل أشد مما يفرح ذلك الرجل الذي أضاع ناقته ودابته وعليها طعامه وزاده، وأيقن بالموت ثم رجعت إليه، ففرح فقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك! أخطأ من شدة الفرح، الله أفرح بعبده إذا رجع إليه من هذا الرجل بدابته.
أسأل الله عز وجل أن يغفر لنا ذنوبنا، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.