[موقف الصحابة من نبأ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم]
مات النبي مات الرسول ذهب الحبيب إنها أعظم مصيبة على وجه الأرض، كيف لا وهو أحب إلينا من آبائنا وأمهاتنا وأبنائنا؟ مات عليه الصلاة والسلام ووضعته عائشة على الفراش وغطته، وانتشر الخبر بين الصحابة، فإذا بالصحابة بين مصدق ومكذب، أما عمر فلحبه للنبي صلى الله عليه وسلم قال:[من زعم أن محمداً قد مات فلأضربنه بهذا السيف، إن محمداً ما مات، بل ذهب يناجي ربه كما وعد الله عز وجل موسى وسيرجع] والصحابة لا يدرون ولا يعرفون هل مات حقاً أم لم يمت؟ فسمع أبو بكر بالخبر، فأسرع إلى بيت ابنته عائشة فاستأذن ودخل؛ فلما رآه قد غطي بالفراش أزال الغطاء عن وجهه ثم قبله بين عينيه، ثم قال:[طبت حياً وميتاً -يا رسول الله- والله لا يذيقنك الله الموت مرة أخرى] يقبله أبو بكر، ويتذكر أياماً قام فيها على الصفا يقول: إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، يتذكر أياماً وهو يطوف حول الكعبة وحولها ثلاثمائة وستون صنماً يتذكر أياماً كان يقودهم في المعارك وفي الجهاد في سبيل الله، ويقول:(أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب) يتذكر أياماً يبكي النبي صلى الله عليه وسلم بين أيديهم وهو يعظهم، فتذرف العيون، وتدمع القلوب يتذكر أياماً يجلس النبي صلى الله عليه وسلم بينهم فيضحك الصحابة ويبتسم عليه الصلاة والسلام يتذكر أياماً يسلم النبي صلى الله عليه وسلم على الصبيان، ويمسح على رأس الأيتام، ويجلس مع الوفود يعلمهم دين الله عز وجل أين هذا الرسول الذي كلما ألمت بنا المصائب ذهبنا إليه وجلسنا عنده يعلمنا ويفهمنا ويجيبنا إذا سألناه أو استفتيناه أين هذا النبي؟
لقد غادر الحياة الدنيا، فدمعت عينا أبي بكر، وخرج إلى الناس وهم بين مصدق ومكذب ومذهول ومتعجب! هل هذا الخبر صحيح أم لا؟ نظر إلى عمر وهو يهدد الناس، فقال: يا عمر! اجلس، وعمر لا يسمع الكلام ولا يعلم ما الخبر، كان يقول:[من زعم أن محمداً قد مات ضربته بهذا السيف] فقال: يا عمر! اجلس، فلم يجلس، فقام أبو بكر في الناس خطيباً، فاجتمع الناس عنده لا يجتمعون عند غيره رضي الله عنه، فجلس الناس فقال: [أيها الناس! من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، ثم قرأ قول الله عز وجل:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}[آل عمران:١٤٤] يقول الصحابة: كأننا أول مرة في حياتنا سمعنا هذه الآية، وكأننا ما سمعناها من قبل، فردد الصحابة بين الناس:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ}[آل عمران:١٤٤]].
ومن هول الصدمة ظل النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام وليلتين لم يدفن، والناس يصلون عليه ويستغفرون له ويتشاورون: ماذا نصنع؟ غاب القائد غاب القدوة غاب الحبيب، ثم دفن، فقال أنس:[لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة أنار في المدينة كل شيء، ولما مات أظلم في المدينة كل شيء] تقول ابنته فاطمة وهي تبكي: كيف استطعتم أن تحثوا التراب على وجه رسول الله؟ كيف فعلتموها؟ كيف دفنتموه؟ قال الله تعالى:{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}[التوبة:١٢٨].
من كان يظن أنه سيخلد في هذه الدنيا فليعلم أن أحب الناس إلى الله قد مات، وأن أفضل خلق الله قد مات، فلن يبقى في الدنيا أحد:{وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ}[الأنبياء:٣٤] أيظن أولئك الذين يجمعون الأموال، ويكدسون الأرصدة، ولا يبالون بالأموال أهي من حلال أم من حرام {الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ}[الهمزة:٢ - ٣] لا تظن -يا عبد الله- أن الأموال تبعدك من الموت، وأن الرياضة تبعدك من الموت! نعم.
نحن نبذل الأسباب، ولكن الموت حق {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ}[الرعد:٣٨]{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً}[ل عمران:١٤٥].