[علاقة الناس بالنبي صلى الله عليه وسلم]
إن الناس في علاقتهم بالنبي ثلاثة أصناف:
الصنف الأول: من يحبه ويرفعه أكثر من قدره عليه الصلاة والسلام، حتى إن بعضهم أوصله لمراتب الألوهية والربوبية، فأصبح يدعوه، ويذبح له، ويستغيث به من دون الله.
وهؤلاء قد جاوزا الحد، والنبي عليه الصلاة والسلام قد قال: (لا تُطْرُوني كما أَطْرَت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله) فهو عبد الله، وهذا أشرف وصف له عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء:١].
الصنف الثاني: أناس جفوه عليه الصلاة والسلام، وهجروا سنته -بأبي هو وأمي- لا يتبعون سنته ولا يقتفون أثره عليه الصلاة والسلام، لا يعرفون شيئاً عن حياته ولا شيئاً عن سيرته، لو سألتهم عن اللاعبين والمغنين لجاءوك بحياتهم وسيرتهم، أما عن حياة نبيهم؛ أزواجه، أبنائه، أصحابه؛ سيرته؛ جهاده؛ معاركه؛ عبادته، فلا يعرفون شيئاً عنها، تركوه! حتى إنك لو أتيتهم بحديث لقالوا: لا نأبه بالحديث، نأخذ القرآن وندع السنة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه)، وقال: (من رغب عن سنتي فليس مني).
أما الصنف الثالث: فهم المتبعون له عليه الصلاة والسلام، الذين يحشرون معه ويدخلون الجنة معه: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا مَن أبى، قيل: ومَن يأبى يا رسول الله؟! قال: مَن أطاعني دخل الجنة ومَن عصاني فقد أبى).
يوم من الأيام يخلع نعاله في الصلاة عليه الصلاة والسلام، فإذا بالصحابة كلهم يخلعون نعالهم، فينظر إليهم وقال: (ما الذي حملكم على هذا؟! قالوا: رأيناك خلعت نعالك فخلعنا نعالنا، فقال لهم عليه الصلاة والسلام: إن جبريل قد أخبرني أن فيها أذى فخلعتها) أرأيتم اتباعاً كهذا؟!
أما الناس اليوم إلا من رحم الله، بعضهم قد هجر سنته، واتبع هدياً غير هديه: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:٧].
يتشرف الواحد منا لَمَّا يتأسى بهديه عليه الصلاة والسلام، لََمَّا يتأسى بمظهره، بعبادته، بأخلاقه، بدعوته، بجهاده، بسيرته؛ لأنه صاحب الخلق العظيم الذي لَمَّا سئلت عائشة عن خُلُقِه قالت: (كان خلقه القرآن).
قال بعضهم:
يا أمة غفلتْ عن نهجه ومضتْ تهيم مِن غير لا هديٍ ولا علَمِ
تعيش في ظلمات التيه دمرها ضعف الأخوة والإيمان والهممِ
يوماً مُشَرِّقَةً يوماً مُغَرِّبَةً تسعى لنيل دواءٍ من ذوي سقمِ
لن تهتدي أمة في غير منهجه مهما ارتضتْ من بديع الرأي والنُّظُمِ
بأبي هو وأمي! كم علتْ همته في البذل الذي بَذَل، والهول الذي احتَمَل لتحرير البشرية من وثنية الشرك والضمير، وضياع المصير.
فجزاه الله خير ما جزى نبياً عن أمته، وجعله أعلى النبيين درجةً، وأقربهم منه وسيلةً، وأعظمهم عنده جاهاً، وتوفنا اللهم على ملته، وعرفنا وجهه في الجنة، واحشرنا معه غير خزايا ولا نادمين، ولا شاكِّين ولا مبدلين ولا مرتابين.
وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.