للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ساعة الفصل والحساب]

ثم يبدأ الفصل والحساب: {وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [البقرة:٢٠٢] يحاسب الناس جميعاً في لحظة واحدة من آدم إلى آخر البشر {وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام:٦٢] فينادي باسمك أين فلان بن فلان؟ وارتعدت الفرائص واضطربت الجوارح، وما عادت الرجل تحمل صاحبها، وإذا به يبكي! وإذا به يريد الفرار! وإذا به يريد النجاة! والملائكة تسوقه إلى الرب جل وعلا سوقاً، لا يستطيع أن يمشي على قدميه، فيوقف بين يدي الرب جل وعلا الذي لا تخفى عليه خافية {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [الطارق:٩] تخرج وتُفضح ذلك يوم الخزي، فيقول له الرب جل وعلا؛ وتخيل أخي الكريم أنك أنت في هذا الموقف، يقول لك الرب: عبدي عبدي! ألَمْ أصَحِّ لك الجسد، ألم أسقك من الماء البارد، ألم أنعم عليك بكذا وبكذا وبكذا وبكذا يعدِّد لك النعم طوال الحياة، فتقر، ثم يقول لك الرب جل وعلا: عبدي عبدي! ما الذي جرأك علي؟ أتذكر هذا الذنب؟ أتذكر هذه الجريمة؟ عبدي تظن أني لا أرى؟ {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق:١٤] ثم يقول له: يا رب ما فعلت؟ يكذب على ربه جل وعلا، مسكين مسكين لا زال في جرأته وعناده وكبره، يقول: يا رب ما فعلت شيئاً، يا رب هذا كله كذب يا رب ما فعلت، فتأتي الشهود، الملائكة تشهد، والصالحون يشهدون، إنه في اليوم الفلاني أعطيته هذا الشريط لكنه رماه، رب في اليوم الفلاني طرقت عليه الباب ونصحته لكنه ضحك عليّ، رب في اليوم الفلاني عملتُ له محاضرة وذكرته ونصحته ولكنه استمر على حاله، كل الناس يشهدون عليه، والملائكة تشهد، فيقول: رب لا أقبل شاهداً إلا من نفسي، يا رب أنت العدل كيف تأتي بشهود وأنا لا أقبل إلا شاهداً من نفسي! فيقول له الرب جل وعلا: لك ذلك، لا يشهد عليك أحد إلا نفسك، فإذا بالفم يُختم عليه وإذا باليد تنطق والجلود تتكلم والفخذ تنطق والخدان ينطقان وإذا به {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ} [يس:٦٥] تتكلم: يا رب في اليوم الفلاني لامس فلانة بالحرام، وفتح ذلك الفيلم على الحرام، وكتب تلك الرسالة، وفتح هذه المجلة، وقبض هذه الرشوة، وضرب فلاناً، وبطش، وفعل.

نعم.

تتكلم اليد، والرِّجل: يا رب ذهب إلى المكان الفلاني والفلاني ينظر إلى الجلود تنطق: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ} [فصلت:٢١].

ثم بعد هذا يعلم أنه لا نجاة ولا محيص ولا فرار من الله جل وعلا فينادي الرب جل وعلا الملائكة {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ} [الحاقة:٣٠] أي: اربطوه بالسلاسل {ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ} [الحاقة:٣١ - ٣٢] يؤتى بسلسلة أتعرف ما حجم هذه السلسلة؟ كل حديدة بقدر حديد الدنيا كله، سبعون ذراعاً، ليس من أذرع الناس، من أذرع الملائكة، يُدخل من منخره، فيخرُج من دبره ثم يلف بالسلاسل ويسحب على وجهه إلى جهنم {هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} [الطور:١٤] إذا به أول ما يأتيها تفتَّح أبوابُها أتعرف ماذا يرى فيها؟ يرى أصحابه في الدنيا قد سبقوه، يرى فلاناً الذي كان يدعوه إلى تلك الأماكن الفاسدة، يرى صاحبه الذي كان يصده عن الصلاة كلما أراد التوبة ويقول له: أتريد أن تتعقد؟ أتريد أن تتزمت؟ يا فلان عندنا فلانة، عندنا سهرة، عندنا فيلم، عندنا سَفْرة، عندنا كذا وكذا، يا فلان لا يضحكوا عليك، كلما أراد التوبة صده ورده فيراه قد سبقه إلى النار {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا} [الأعراف:٣٨].