[موقف الفاجر مع منكر ونكير في القبر]
ثم قال: (فتعاد روحه في جسده وإنه ليسمع خبط نعال أصحابه إذا ولوا عنه) يسمعهم يمشون على القبر، يسمع قرع نعال أبيه، وقرع نعال أخيه، وقرع نعال جيرانه، وقرع نعال أصحابه إن صلى عليه أحد، يسمع قرع نعالهم: (ويأتيه ملكان شديدا الانتهار، فينتهرانه ويجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري! فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري! فيقولان له: فما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: من؟ فيقال: محمد، فيقول: هاه هاه لا أدري! سمعت الناس يقولون ذلك، فيقال: لا دريت ولا تليت) كيف يدري وكان قدوته من الدنيا كافراً مطرباً نصرانياً، قدوته من الدنيا في لباسه ومظهره؟
كيف يدري وكان في الدنيا يستهزئ بسنته عليه الصلاة والسلام؟
كيف يدري وكان ينام على عشقها وحبها ويتغزل بالتفكير فيها؟
كيف يدري وكان لا يعرف القرآن سنين طويلة؟
كيف يدري وكان يسمع الأذان ويولي؟
كيف يدري -يا عبد الله- وكان ينام على الفجور ويقوم على الفجور؟
فيقال: (لا دريت ولا تليت، فينادى من السماء؛ أن كذب عبدي، فافرشوا له من النار) أنت لم تر شيئاً، حفرة فقط، فرش له من النار في قبره، نعوذ بالله! نار تلظى يا عبد الله! نار تحرق، ولعله قبل ساعات كان في بيته منعماً، كان في قصره مكرماً، أما الآن فرش له من النار.
(فافرشوا له من النار، وافتحوا له باباً إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه) إن أضلاعه تتداخل بين بعضها البعض، يضيق القبر حتى يدخل الضلع في الآخر: (ويأتيه رجلٌ قبيح الوجه قبيح الثياب، منتن الريح، فيقول: أبشر بالذي يسوؤك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: وأنت بشرك الله بالشر من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالشر فيقول: أنا عملك الخبيث) أنا عملك الخبيث، إن كانت امرأة، أنا التبرج، أنا السفور، أنا مخالطة الرجال، أنا استماع الأغاني، أنا أكل الربا، أنا ترك الصلاة، أنا السب والشتم واللعن والاستهزاء بالصالحين، أنا عملك الخبيث، إلى الآن ما جاء إلى الله جل وعلا، إلى الآن ما جاء يوم الحساب، إلى الآن ما جاء اليوم الآخر، اسمع إنه أول منازل الآخرة: (أنا عملك الخبيث، فوالله ما علمتك إلا بطيئاً عن طاعة الله -في الطاعة والخير يتثاقل، يجر نفسه وكأنه يحمل جبلاً، إن جاء إلى مجلس ذكر، أو إلى الصلاة، وقراءة القرآن، لعله يأتي ولكن بكسل وبتثاقل، ويكره العمل لكنه يفعله رياءً أو استحياء- سريعاً إلى معصية الله، فجزاك الله شراً، ثم يقيض له أعمى أصم أبكم في يده مرزبة -مطرقة من حديد- لو ضُرِبَ بها جبلٌ لصار تراباً، ويضربه ضربة حتى يصير بها تراباً).
اسمع وانظر وتخيل يا عبد الله! {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} [الطارق:١٣ - ١٤] الأمر ليس بالجدل، وليس بالضحك، وليس بالهزل، إنها حقيقة أخبر بها الله، إنها أول منازل الآخرة يا عبد الله، لعلك تقدم عليها الليلة أو بعد لحظات، أو بعد ساعات، فاستعد لها يا أخي الكريم.
(حتى يصير بها تراباً، ثم يعيده الله كما كان، فيضربه ضربة أخرى فيصيح صيحة يسمعه كل شيء إلا الثقلين -إلا الجن والإنس- ثم يفتح له بابٌ من النار، ويمهد من فرش النار، فيقول: -وهو في هذا الحر، وهذا الضيق، وهذا التعب والنصب والعذاب، تظنه ماذا يقول؟ - يقول: رب لا تقم الساعة، رب لا تقم الساعة) تعرف لم يا عبد الله؟ لأنه يدري أن الساعة أدهى وأمر.
إنها الأسئلة؛ إن قارنتها في الدنيا فهي الأخيرة، وإن قارنتها بالنسبة للآخرة فهي الأسئلة الأولى يا عبد الله، فليس هناك دور ثانٍ، وليست هناك فرصة أخرى، والقضية قوة إيمان وضعف إيمان.
إن كنت من المؤمنين الصالحين، وممن آمن بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً، إيماناً ليس باللسان فقط، بل إيمانٌ باللسان والقلب والأركان، قولٌ وعملٌ يا عبد الله، فإنك سوف تجيب على هذه الأسئلة، وإن كنت ممن يقول الناس كلاماً فتقول مثلهم فقط؛ هكذا رياءً وسمعة، حياءً واستحياءً من الناس، لربما يجيب على هذه الأسئلة، ولربما يكون ممن يقول: هاه هاه لا أدري، وستسمع النتيجة الأولى: أن كذب عبدي، ووقتها لا ينفع الندم، ولا ينفع العويل، ولا ينفع البكاء.
فالله الله أيها الإخوة الكرام، أن نستعد للإجابة على هذه الأسئلة، وأن نتأهب لها.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.