اعلم -يا عبد الله- أن من الناس -والعياذ بالله- من يموت ولكنه على سوء ختام، فهذا رجل مات وهو يشتم ربه جل وعلا، أصيب بمرض فاشتد به المرض فقيل له: قل: لا إله إلا الله، فقال: ربي هو ذا يظلمني! أرأيت؟! يسب ربه قبل أن يموت، وصاح وهو يقولها: ربي هو ذا يظلمني!
ومنهم من تأتيه البشارة في الدنيا قبل الآخرة، يموت وهو يسبح الله، ومنهم من يموت وهو يصلي، ومنهم من يموت وهو ساجد، ومنهم من يموت وهو يقرأ القرآن كـ عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- الذي مات وهو يقرأ قول الله عز وجل:{تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}[القصص:٨٣] ثم خرجت روحه.
أسمعت بـ هارون الرشيد؟ هارون الرشيد كان يحج عاماً ويجاهد عاماً، وعمل من الصالحات الكثير والكثير، ومات وهو يبكي ويقول:{مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ}[الحاقة:٢٨] ماذا استفدت من أموالي؟ ماذا استفدت من هذه الثروات؟
بل اسمع -يا عبد الله- إلى بشر قد ماتوا وهم يتعاطون المخدرات، يقول لي أحد رجال الداخلية: لما اقتحمنا الشقة وكسرنا الباب وجدت رجلاً قد مات قبل أيام وقد تعفنت رائحته، وامتلأت الحشرات والدود في جسمه، مات قبل أيام ولم يصلِ عليه أحد، مات قبل أيام ولم يستغفر له أحد، مات قبل أيام ولم يشعر به أحد، يقول: الغريب أنني وجدته على هيئة سجود وأمامه إبر المخدرات {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}[الأنبياء:٣٥] هل أنت منهم أم لست منهم؟ كأنني أراك تظن أنك لست منهم، كأنني أراك تعمل عملاً وتظن أنك لست بميت، ونحن في الحقيقة أموات ولسنا بأحياء، ألم يقل الله لنبيه ولصحابته وهم أحياء:{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}[الزمر:٣٠] فمالي أراك لا تستعد لقبرك لا بشيء من قيام الليل، ولا بصيام النهار، ولا بقراءة القرآن، ولا بالباقيات الصالحات أين الباقيات الصالحات؟ أين قولك: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، وذكرك لله جل وعلا؟ مالي أراك كأنك مخلد في الدنيا وكأنك تعيش حياة من لا يموت؟! اسمع إلى نبي الله سليمان كان جالساً بجانبه رجل، فدخل عليهم رجل ثالث، فلما دخل الرجل الثالث أخذ ينظر إلى صاحب سليمان نظراً محدقاً مفزعاً، فخاف صاحب سليمان، فلما خرج الرجل الثالث قال صاحب سليمان: يا نبي الله! من هذا الذي دخل؟ قال: لم تسأل؟ قال: رأيته ينظر إلي نظراً مخيفاً.
قال: هذا ملك الموت.
قال: يا نبي الله! احملني إلى أي بلد بعيدة فإني أخاف منه -وقد سخر الله له الريح والجن- فحمله إلى بلاد بعيدة في أقصى الدنيا، فلما نزل في تلك البلاد قبض ملك الموت روحه، فرجع ملك الموت إلى سليمان، فقال سليمان عليه السلام: يا ملك الموت! أخبرني عن قصة هذا الرجل.
قال ملك الموت: هذا قصته عجيبة! قال: وما عجبها؟ قال: هذا رجل أمرني ربي أن أقبض روحه بعد لحظات في بلاد بعيدة، فوجدته عندك فتعجبت، وقلت: كيف يأمرني ربي أن أقبض روحه في تلك البلاد البعيدة وهو جالس عندك؟! فعجبت من أمره وقلت: أمر الله لا يتخلف، فذهبت إلى تلك البلاد البعيدة فوجدته ينتظرني!! {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[الجمعة:٨].
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.