اسمع إليه يتلو آيات الله في التوحيد، والقرآن كله توحيد، وكله يحمي جناب التوحيد، ويدل على التوحيد؛ إما ربوبية، أو ألوهية، أو في أسماء الله وصفاته، قال الله جل وعلا:{قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ}[الأحقاف:٤] انظروا إليهم! أصنام كهان عرافين أولياء وسادة {إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ}[الزمر:٣٨] إن أرادك الله بمرض، أو بحادث سيارة، أو بمصيبة، أو بفقر، أو بموت، هل يدفع السيد أو الولي عنك ذلك؟ أم تدفع هذه التي تعلقها في السيارة تدفع عنك هذا الحادث؟ أم ذبحك للشاة وتلطيخ الدم بجدران البيت أو السيارة يدفع عنك ذلك؟ كلا والله! {إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ}[الزمر:٣٨] لو أرادك الله بنعمة أو رحمة هل يمنعك هذا السيد، أو هذا القبر، أو ذلك الخيط، أو ذلك المشرف، أو هذا الساحر، أو الكاهن، هل يمنع عنك هذه الرحمة؟
إن الهدهد وهو مخلوق من المخلوقات لم يميزه الله بعقل كما ميز الإنسان، اسمع إليه لما رأى الشرك كيف استنكره، وكيف عظمه، ولم يرض به، جاء إلى سليمان عليه السلام يقول:{إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ}[النمل:٢٣] اسمع إليه كيف يستنكر: {وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ}[النمل:٢٣] يا سليمان! إن النبأ عظيم، وإن الخطب جلل، وإن المصيبة كبرى، وجدت أناساً خلقهم الله لعبادته يسجدون للشمس من دون الله، إنها جريمة، حرم الله بسببها الدخول إلى الجنة:{إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ}[المائدة:٧٢].
إن المسلم الموحد مهما عصى الله فيما دون الشرك فإن مآله الجنة يدخلها برحمة الله، أما لو عبد الله طوال حياته وأتى بشرك واحد أكبر فإن الله قد حرم عليه الجنة، فلو سجد لله طول عمره ثم دعا غير الله، فقال: يا فلان أنقذني، أو المدد يا فلان؛ فإنه بهذا قد حبط عمله:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}[الزمر:٦٥] هل تعرف من يخاطب الله؟ إنه يخاطب أعبد الناس إمام الموحدين سيد البشر، يقول: لئن أشركت يا محمد {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}[الزمر:٦٥] الجهاد، والصلاة، والصدقات، والذكر؛ كله يحبط، ويجعلها الله هباءً منثوراً أتعرف لم يا محمد؟ بشرك واحد (من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه).
إن لقمان حرص على ابنه أكبر الحرص من هذه القضية؛ فجلس مع ابنه الصغير وهو صغير فأخذ يعلمه، لأنها أول العلوم وأول ما يبدأ به الداعية إلى الله، العقيدة أولاً وأخيراً:{يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}[لقمان:١٣].
نعم! لو عصيت الله واستغفرته غفر الله لك، بل حتى لو لم تستغفره ومت على التوحيد فإنك إن دخلت النار فإنك لن تخلد فيها، لكن الشرك {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء:٤٨].
ألم تسمع أن بعض المسلمين يأتي إلى بيوت الله فيشهد الشهادتين، ويسجد لله، ويعبد الله، ثم إذا خرج من بيت الله ذهب بابنه أو بزوجته أو بمريضه إلى كاهن أو عراف:(من أتى كاهناً أو عرافاً فسأله عن شيء فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد).