يقول الفاروق عمر رضي الله عنه:[لولا ثلاث ما أحببت البقاء في الدنيا -ما هي الثلاث؟ دينار؟ درهم؟ قصور؟ أكل وشرب؟ لا يا عبد الله، يقول: لولا أن أحمل على الجهاد في سبيل الله] الأولى: الجهاد، يقول: هذا الذي يبقيني في الدنيا الجهاد في سبيل الله، أصوات الخيل، ونحن نقول الآن: سل المجاهد ما هي أحلى أيام حياتك؟ يقول: والله لو فكرت في الدنيا وتصفحت أيامها فإن أحلى أيامها تلك الليلة التي كنا نسمع فيها أصوات المدافع، وإطلاق الصواريخ، وعلى رءوسنا الطائرات، يقول: تلك كانت أحلى الليالي في الحياة، فهذا عمر كان يعيش في هذه الروح.
والثانية:[مكابدة الليل] الليل مجاهدة، يا عبد الله! إن من الناس اليوم أول ما يأتيه الليل ينام وهو لا يشعر، أمام التلفاز، أو يجالس فلانة، أو في المباريات، أو عند الأفلام، أو يستمع للأغاني، من منا في الليل يجاهد نفسه ويتعب نفسه في قيام الليل؟!
والثالثة:[مجالسة أقوام ينتقون أطايب الكلام كما ينتقى أطايب الثمر].
يقول هشام بن حسن: كان عمر يمر بالآية في ورده فتخنقه العبرة، يقرأ القرآن فيبكي حتى يختنق من شدة البكاء، فيسقط على الأرض، ثم يلزم بيته حتى يعاد يحسبونه مريضاً، هل به مرض؟ لا.
إنه القرآن إنها العبادة إنه الخوف من الله جل وعلا.
صلى يوماً بالناس فقرأ سورة يوسف فوصل إلى قول الله جل وعلا:{إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ}[يوسف:٨٦] فتوقف، وأخذ يبكي، حتى سُمع نشيجه من وراء الصفوف، ولم يستطع أن يتم الصلاة، عمر يبكي من هذه الآية؟! عمر في يوم من الأيام وأد بنته وكان يسجد للصنم، أما اليوم فإنه يبكي من هذه الآية، ما السبب؟ إنها العبودية لله جل وعلا، إنه حب الله سبحانه وتعالى، إنه الخوف من عذابه تبارك وتعالى.