للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التوبة إلى الله وخطر الرجوع إلى المعاصي]

السؤال

لقد مررتُ بمرحلة خطيرة في حياتي، حيث بدأت بالسجائر والخمور والحبوب المسكرة وقد أدمنتُ عليها، أما الآن فقد بدأ قلبي يميل إلى ذكر الله سبحانه وتعالى، وإلى قراءة القرآن الكريم، وقررت أن أترك هذه الأشياء التي كنت أمارسها، ولكن الماضي بدأ يلاحقني مرة أخرى، فأرجو من فضيلتكم التكرم بإعطائي بعض النصائح، وكذلك أرجو أن تدعو لي، وجزاكم الله خيراً؟

الجواب

عليك بأمور:

أولاً: غيِّر مكان الوظيفة:

إن كانوا معك في أي مكان فاهجر هذا المكان كما قال ذلك الناصح العالم: (إنك بأرض سوء، فاتركها واذهب إلى أرض كذا وكذا، فإن فيها قوماً يعبدون الله فاعبد الله معهم).

أقول لك: يا عبد الله! اذهب إلى مخيماتهم إلى جمعياتهم إلى مجالسهم إلى مساجدهم إلى مراكزهم إلى أماكن تواجدهم وهم كثيرون، نسأل الله أن يحفظنا وإياهم كثيرون في هذه البلاد التي نسأل الله عز وجل أن يحفظها ويحفظ أهلها، اذهب إليهم واطرق عليهم الباب، وقل: يا إخوة! إني تبت إلى الله، وأريد أن أعرف مجالسكم وأماكن تجمعاتكم أين تجلسون؟ ماذا تقرءون؟ ماذا تتعلمون؟ عندهم الذكر والإيمان والرحمات تنزل، وتغشى مجالسهم السكينة، وتحفهم الملائكة إلى السماء الدنيا، فاجلس معهم.

ثانياً: عليك بكتاب الله:

عليك بالقرآن الكريم، فليس هناك واعظ بعد الله عز وجل مثل كلامه جل وعلا -كلام الله القرآن- اجعل لك ورداً في اليوم والليلة تقرأه بينك وبين نفسك، إما أن تقرأ أو تستمع، إما شريط أو قارئ يقرأ عليك، أو تقرأ في حلقة، أو تقرأ لوحدك اقرأ القرآن وتعلق به، سواء في الليل، أو بعد الفجر، أو بعد العصر، وأقل القليل أن تقرأ جزءاً واحداً، وهذا هو أضعف الإيمان؛ أن تقرأ في اليوم جزءاً بتدبر وخشوع {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّه} [الحديد:١٦].

ثالثاً: عليك بالأذكار:

أذكار الصباح والمساء أدبار الصلوات دخول البيت الخروج من البيت دخول المسجد والخروج منه اللباس الجماع الطعام والشراب، كل شيء له ذكر؛ حتى الأوقات التي ليس فيها أذكار مخصوصة فإن فيها أذكاراً عامة (لئن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أحب إلي مِمَّا طلعت عليه الشمس) أتعرف لماذا؟ لأن الله يقول: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف:٣٦] إذا تركت الذكر مشى معك شيطان، فإذا قلت: أنا لا أراه، أقول لك: يا عبد الله! هذه حقيقة يمشي معك يدخل البيت معك يأكل معك، بل حتى يجامع الزوجة معك، إذا تركت ذكر الله جل وعلا، لماذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا دخل فجاً سلك الشيطان فجاً آخر، بل في بعض الروايات أن الشيطان يخر على وجهه إذا رأى عمر لماذا يا عبد الله؟ مِن ذكرٍ لله في القلب قبل أن يكون في اللسان.

رابعاً: عليك بالدعاء:

ادعُ الله جل وعلا، قل: اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، اللهم يا مثبت القلوب ثبت قلبي على دينك.

يا عبد الله! إذا كان عندك بعض الذنوب والآثام فلا تقل: أنا منافق وقد نافقت، ولا أستحق أن أكون مع الصالحين، أو لا أصلح أن أصلي في بيوت الله؛ إما أن أكون مستقيماً (١٠٠%) وإما أن أكون فاجراً! لا يا عبد الله! هذه حيلة من حيل إبليس، وهذه مكيدة أتعرف ماذا يريد أن يودي بك؟ أن تترك الصلاة، وتهجر الصالحين، بل قلها: لم لا أترك المعاصي والذنوب وأكون مستقيماً على طاعة الله! إن لم تستطيع أن تتغلب على الذنوب والمعاصي فكن مع الصالحين، فلعل الله عز وجل أن يعفو عنك {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:١١٤] وجاهد نفسك لتتخلص من هذه الذنوب والمعاصي.

خامساً: احذر من سوء الخاتمة:

فإنك إن نويت الرجوع لعل ملك الموت ينتظرك، ولعلك يصدق فيك حديث النبي عليه الصلاة والسلام الذي يقول فيه: (فوالله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة -صلاة وذكر ودروس- حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع -سوف يدخل الجنة؛ بكاء وذكر وخشوع لو مات على هذه الحال دخل الجنة- فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها).

عبد الله! هذا رجل كان صالحاً مع الصالحين لكنه فتر وضعف وقل الإيمان في قلبه لكنه لا يزال مصلياً، تعرَّف على أصحاب سوء وفجرة وفسقة، كان يجلس معهم لكنه كان يذهب للصلاة، يريد أن يوفق بين هذا وهذا، يقول: أتمتع شيئاً قليلاً معهم وأصلي مع الصالحين، وهذا الرجل مسكين! ألا يعلم أن حب الغناء والقرآن في قلب عبد لا يجتمعان؟!

في يوم من الأيام قالوا له: يا فلان! سوف نسافر، قال: إلى أين؟ قالوا: إلى بلد كذا وكذا.

قال: لماذا؟ قالوا: نريد أن نلعب ونلهو قال: أعوذ بالله! لا أذهب معكم، لأنه لا يزال في قلبه شيء من الصلاح كحال أكثر الناس، قالوا له: يا فلان! سفرة قليلة ثم نرجع؟ قال: أعوذ بالله أن أذهب معكم.

قالوا: تعال معنا -انظر حزب الشيطان انظر كيف يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير -قالوا: تعال ولا تفعل معنا شيئاًَ- قال: لا آتي، فلا زالوا به حتى أقنعوه، انظر خطوات الشيطان! فلما سافر معهم دخلوا الفندق، وكانوا في كل ليلة يذهبون للزنا والخنا وهو جالس في الغرفة لا يذهب معهم؛ لأنه لا يزال في قلبه شيء من التقوى والخوف من الله، ولكنه لم يبذل الأسباب، اسمع وتدبر -يا عبد الله- لعل الشيطان يستدرجك مثله، وكان يجلس كل ليلة في الغرفة فمكروا مكراً، وقالوا: هذا الرجل لا يذهب معنا ولا يفعل المعاصي معنا، لا بد أن نفعل له أمراً ونمكر به، فقال بعضهم: ماذا نفعل؟ قالوا: نأتي له ببَغِيٍّ -عاهرة داعرة- في غرفته، فجاءوا إليه في الغرفة، وأدخلوا عليه امرأة، وأقفلوا عليه الباب، فلا زال يصد ويغض البصر ويردها ويدفعها ولا زالت تحاول به وتراوده عن نفسها، ولا زال يردها حتى وقع بها، فلما وقع بها قبض الله روحه، ومات على هذه الحال.

عبد الله! الأمر استدراج عبد الله! لا تظن أن الأمر فقط هذه المرة وإن شاء الله أرجع، ما يدريك لعلك يختم لك على هذه الفعلة! ولعلك تموت وأنت معها! أو تموت وأنت تنظر لهذا الفيلم أو ذاك المسلسل الداعر! ما يدريك لعلك تموت على هذا الحال! هل تنفعك الصلاة؟! أم ينفعك القرآن؟!

عبد الله! إنما الأعمال بالخواتيم، وما من ميت يموت إلا بعث على ما مات عليه.

القضية ستون سبعون سنة ثم ماذا؟ ثم نقف عند الله خمسين ألف سنة هل تعادل هذه هذه كن حكيماً، وحاسب نفسك يا عبد الله.