[النظر إلى من هم أقل منه منزلة]
لعل السبب أنك تنظر إلى من هو دونك، تنظر إلى كبار طلبة العلم وأهل الشهادات وخريجي الجامعات يجلسون في البيت ولا همَّ لهم إلا كيف يُصلِح بيته وكيف يُصلِح سيارته وكيف يجلس ويشرب الشاي والقهوة واليوم العشاء عند فلان، وغداً عند فلان، واليوم النزهة إلى المكان الفلاني، والسفر إلى المكان الفلاني، وكنت تقول: هذا فلان قد تخرج من جامعة شرعية، وحصل على أعلى الشهادات، وهو خطيب في المسجد وهذه حاله، فأنا أفضل منه، لأنني قد نصحت زوجتي وأبنائي.
سبحان الله! تنظر إلى من هو دونك!
أسألك -أخي العزيز- أن تحاسب نفسك، وتعرف السبب، ثم تعالجها، وتسمع قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران:١٨٧].
أسمعت بقصة حبيب بن زيد؟ يروى أنه أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى مسيلمة -انظر إلى خدمة هذا الدين، وإلى التضحية في سبيل الله، وأنت ماذا فعلت حتى تكون في صفهم؟ - أرسله إلى مسيلمة، فأعطاه رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فغضب مسيلمة وقال له: أتشهد أن محمداً رسول الله؟ قال: أشهد أن محمداً رسول الله قال: أتشهد أني رسول الله؟ فرد عليه حبيب مستهزئاً: إنّ في أذني صمماً، فربطه وأراد أن يعذبه، وقال: أتشهد أن محمداً رسول الله؟ قال: أشهد أن محمداً رسول الله.
قال: أتشهد أني رسول الله؟ قال: إنَّ في أذني صمماً، يستهزئ به، فقال للجلاد: اقطع منه جزءاً، فقطع منه طرفاً من جسده فتدحرج، والدم يسيل منه، وقال: أتشهد أني رسول الله؟ قال: إن في أذني صمماً، فلم يزل الجلاد يقطِّعه قطعةً قطعة حتى صار قطعاً على الأرض منثورة، وهو يلفظ آخر أنفاسه ويقول: أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله.
أخي العزيز: ماذا قدمت لهذا الدين؟ سمعت الخبر فماذا سيكون دورك؟ أتسمع الخبر وتقول: لهذا اليوم أعددته، وعند الله أحتسبته! نقول هذا لنسائنا وزوجاتنا، نقول لهنَّ تلك القصة، أين أنتنَّ من أم حبيب؟ ثم إنَّ أم حبيب تقول: بايع حبيب رسول الله صلى الله عليه وسلم صغيراً ووفى اليوم كبيراً.
أسمعت بقصة عباد بن بشر رضي الله عنه، الذي استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم حارساً للمسلمين، هو وعمار بن ياسر، يقول عباد بن بشر لـ عمار: أتريد أن تكون أول الليل حارساً أم آخره؟ فقال عمار: أنام أول الليل وأكفيك آخره، فنام عمار، وقام عباد على ثغر رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، فرآه أحد المشركين في الليل، فرماه بسهمٍ حتى وقع فيه، فنزعه وأكمل صلاته، والدم يسيل منه.
والآن أنت في موقفٍ في الدعوة إلى الله، أنت على ثغرٍ من ثغور المسلمين، ماذا أصابك؟ ماذا دهاك أخي في الله؟ أصابتك كلمةٌ من أحد إخوانك فتركت الدعوة وأهلها، أصابتك مصيبة، فتركت الدعوة برُمَّتِها ثم يصيبه المشرك بسهم آخر، فينزع السهم ويكمل صلاته، ثم يصيبه بالسهم الثالث، فينزعه ويكمل صلاته، ثم يقطع صلاته ويوقظ عماراً، فيقول عمار: ما لك رحمك الله؟ لِمَ لم توقظني من أول سهم؟ قال: كنت في سورة فما أحببت أن أقطعها، وايمُ الله لولا أني على ثغرٍ أمرني رسول الله أن أحفظه لكان قطع روحي أحب إليَّ من قطع تلك السورة.
هكذا يكون استشعار العمل، هكذا تكون الدعوة إلى الله، أما حالنا -نسأل الله العافية- فلنبك ولنندب أحوالنا.