للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الخلاف والنزاع بين المسلمين]

من أعظم أسباب ذلنا وهزيمتنا: الخلاف والنزاع بين المسلمين والتفرق والتشرذم بينهم.

انظروا إلى أحوالنا، كثيرٌ منا يحمل الحقد على أخيه؛ تعصبٌ للجنسيات، والقبليات، والقوميات، والأصول، والأعراف؛ لم يخرج المستعمر من هذه البلاد الإسلامية إلا بعد أن زرع فينا التفرق والتشرذم والتعادي، ووضع بيننا حدوداً تلو الحدود.

وما زال اليهود إلى هذه اللحظة يؤججون الفتن بين المسلمين، قال الله جل وعلا في وصف أفضل أمةٍ وخير ناس -أصحاب محمدٍ عليه الصلاة والسلام-: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} [الأنفال:٦٣] ليست القضية بالمال.

هل المال يجمع الأسود والأبيض والأحمر والأخضر؟! هل المال يجمع الحبشي والرومي والفارسي والقرشي؟! لا والله! {وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} [الأنفال:٦٣] دين الله هو الذي يجمع بينهم.

سبحان الله! هل نصدق أن يضع الفارسي يده بيد الرومي؟!

سلمان وصهيب من أمتين تقتتلان صباحَ مساءَ، أعدى أمتين على وجه الأرض في ذلك الزمان، ولكن يضع سلمان الفارسي يده بيد صهيب الرومي.

من يصدق أن يتقدم الحبشي على كل القرشيين ليكون هو المؤذن لرسول الله؟!

أي أمة تلك؟! أي شعبٍ هذا؟! إنها تربية المصطفى عليه الصلاة السلام.

أبو بكر سيدٌ من سادات قريش يقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أبا بكر إن كنت أغضبتهم فقد أغضبت الرب جل وعلا).

{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف:٤].

وصلنا إلى زمان يحتقر المسلم فيه أخاه؛ لأنه من جنسية كذا، أو لأنه عامل نظافة، أو لأنه ليست عنده شهادة، أو لأنه فقير مسكين، يحتقره وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم) أي يكفيه شراً، فإنه بلغ قمة الشر أن يحقر أخاه المسلم، ثم قال صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم) المسلمون في قطر وفي الكويت، وفي المملكة، وفي المغرب، وفي أمريكا، وفي السودان، وفي أنحاء الأرض كلها هم إخوة.

(المسلم أخو المسلم؛ لا يسلمه ولا يظلمه).

بل قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى).

نبكي حالنا، ونحن ألف مليون مسلم:

ألف مليون أصبحوا كغثاء بشط يم

ومُصَلَّى نبيهم بيد اللص يقتسم

أنا أقسمت بالذي برأ الكون من عدم

وكسا ثوب عزة كل من بالهدى اعتصم

إن قنعنا بسخفنا وركنا إلى النعم

فخطى الخصم ماضيا ت من القدس للحرم

عندها يندم الجميع يوم لا ينفع الندم

{وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال:٤٦].

النزاع والضياع والتفرق هي من أسباب الهزيمة التي نعيشها في هذا الزمن.

هل -حقاً- نحن إخوانٌ مسلمون، متآلفون مترابطون؟!

جاء اليهود -كما يفعلون اليوم- يؤججون الفتنة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءوا للأوس يذكرونهم بالماضي -مساكين بعض الناس؛ يتذكر الماضي فيحقد على أخيه- وجاءوا للخزرج يذكرونهم بالماضي، أججوا الفتنة حتى كاد الخلاف أن يقع وينشب بين يدي رسول الله، فقام عليه الصلاة والسلام فقال قولته المشهورة: (أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم).

ماذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لو جاء في هذا الزمن إلينا؟! أي دعوى جاهلية نتداعى بها!! بل فاق المسلمون دعاوى الجاهلية، وهو صلى الله عليه وسلم أمام خلاف يسير بين الأوس والخزرج قد قال: (أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم) كيف لو عاش بيننا؟!