فإذا بقائل يخرج بينهم فيسألهم سؤالاً غريباً، إنه حديث أهل الجنة بعضهم لبعض، وانظر إلى هذا الحديث العجيب الذي أخبرنا الله عنه، يقول: أيها الإخوة: يا أصحابي! يا إخواني! يا رفقائي! من منكم رأى فلان بن فلان؟ هذا كان صاحباً لي في الدنيا، فهل رآه أحد؟ هل اطلع على مكانه أحد؟ فلا أحد يجيب، لم يره أحد! يقول هذا الرجل، وهذا الصاحب: كنت أصاحبه في الدنيا، ولما أقبلت على الهداية، وتبت إلى الله، وأقبلت على حلق العلم والذكر والصلاة كان يصدني، وكان يمنعني، وكان يحرضني على المعاصي.
ولما أرادت تلك الفتاة أن تتحجب، وأن تلتزم بدين الله وبشرع الله، وأن تقبل على الصلاة وتلتزم مع الصالحات؛ جاءتها فلانة فقالت لها: يا فلانة! ضحكوا عليك، يا فلانة! استهزءوا بك، يا فلانة! غرروا بك، لنتمتع بشبابنا، لنتمتع مع الرجال الشباب، ثم بعدها نتوب.
وجاء ذلك الشاب وأراد أن يضيع هذا الصالح فقال له: يا فلان اصبر! لنلهو بهذه الدنيا؛ لنتمتع بها، ثم بعدها نتوب، لكنه بفضل الله ما سمع كلامه، وأصر على التوبة، وتمسك بالهداية، واختلط بالصالحين، والتزمت هي مع الصالحات، وتحجبت وتسترت، وما سمع أحد منهما كلام ذلك الرجل الضال، أو تلك الفتاة الضالة، فإذا به يسأل: هل رآه منكم أحد؟ ما رآه أحد.
وفجأة تُكشف لهم النار وهم في الجنة، إنا لله وإنا إليه راجعون! إنها النار بلظاها وسمومها وحرها، لا يصلهم منها شيء ولكنهم يرونها، فإذا به يرى صاحبه في النار يحترق، أو هي ترى صاحبتها في النار تحترق، فإذا بالحديث بين هذا وهذا، كلاهما يرى الآخر، هذا يحدث هذا، وهذا يرد على هذا، الله أكبر! يقول له:{تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ}[الصافات:٥٦]{وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ}[الصافات:٥٧] أي: لولا أن الله ثبتني وعصمني وصبرت مع الصالحين لكنت معك الآن في النار {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ}[الصافات:٥٠ - ٥١] في الجنة {إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ}[الصافات:٥١] صاحب {يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ}[الصافات:٥٢ - ٥٣] متى سيأتينا الموت؟ إلى الآن في الحياة متسع، أنت شباب تمتع بهذه الدنيا، يغرر به {أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ}[الصافات:٥٣] هل تصدق بالحساب؟ {قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ}[الصافات:٥٤] انكشفت النار {فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ * قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ * وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ}[الصافات:٥٥ - ٥٧] نعمة الله، هو الذي يثبت، وهو الذي يهدي، وهو الذي يعصم.
وجعل الله لك أسباباً: صحبة صالحة، مساجد، حلق علم، ذكر الله، قراءة قرآن {وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ}[الصافات:٥٧] ثم يلتفت إلى أهل الجنة وهو سعيد متمتع فيقول: {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ}[الصافات:٥٨] هل حقاً ليس في الجنة موت: {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ}[الصافات:٥٨ - ٦١] لمثل هذا الموقف، لمثل هذا النعيم، لمثل تلك الجنان فليعمل العاملون، لا مرض، لا سقم، لا هم، لا غم، لا مصائب.
تخيل وأنت في الجنة متنعم، تلهو وتمرح، وتأكل وتشرب، وتجامع ما شئت من النساء، حتى النوم ليس هناك نوم في الجنة، حتى النوم منعوا من النوم لأنه موتة صغرى، وليس في الجنة موت حتى يتنعموا بما يشاءون في تلك الجنان.