[أربعة شباب في المرقص]
اسمع -يا عبد الله- إلى هؤلاء الأربعة من النفر، كانوا قد أذهبوا دنياهم من المعاصي والزنا والخنا، قرروا أن يسافروا إلى بلد يعاقرون النساء ويشربون الخمر، فإذا بهم يدخلون في مرقص.
اسمع -يا عبد الله- ولعل الله ينقذك كما أنقذ بعضهم، ثم نظروا فإذا بمرقص فخم قرروا أن يدخلوه في تلك الليلة، أتعرف من ينتظرهم؟! إن ملك الموت قد سبقهم وينتظرهم، دخلوا في ذلك المرقص، وفي جوف الليل الآخر والرب يرى، والله عزَّ وجلَّ لا تخفى عليه خافية، إذا بهم في سكرهم ولهوهم وطربهم وكل واحد منهم قد عانق امرأة يراقصها ويقبلها، وفي تلك الأثناء إذا بأحد من هؤلاء الأربعة يسقط على الأرض مغشياً عليه، فأقبلوا عليه وفزعوا ونظروا إليه فقال أحدهم له: يا فلان! قل: لا إله إلا الله، يا فلان! قل: لا إله إلا الله، وإذا به ينتبه فقال له: زدني كأس الخمر وتعالي يا فلانة، فإذا به يردد تلك الكلمات وخرجت نفسه إلى الله جل وعلا.
يلقى الله على تلك الكلمات، ويبعث بين الخلائق وهو يقول هذه الكلمات وهو سكران ويريد أن يعانق النساء ويعاشرهن.
فنظر الثلاثة وأجهشوا بالبكاء وأصيبوا برعب شديد، ثم خرجوا من المرقص كل منهم قد قرر التوبة إلى الله جل وعلا، أتعرف كيف رجعوا إلى ديارهم؟
كان البعض يظن أنهم سوف يرجعون بالهدايا وبما يشترونه لأهليهم وأقربائهم! لا والله، رجعوا بجثة صاحبهم، في المطار كشفوا عن وجهه يفتشون الجثة، يقول أحدهم: لما نظر إلى تلك الجثة من سوادها وقبحها وظلامها خرَّ مغشياً عليه، ولكنهم رجعوا وقد تابوا إلى الله جل وعلا: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:١٣٥].
امرأة تأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقول: (يا رسول الله! زنيت) من منا يستطيعها؟ ومن منا يقوى عليها؟ أتعرف ما المصير وما الحكم؟ إنه الرجم حتى الموت بالحجارة.
فقالت: (يا رسول الله! زنيت، قال: لعلك فعلت كذا وكذا، قالت: لا يا رسول الله زنيت، قال: اذهبي حتى تضعي) ذهبت أشهراً ثم رجعت، فقالت: (يا رسول الله! هذا ولدي، أنا التي أتيتك قبل أشهر وقلت لك: قد زينت وهذا ولدي، فقال عليه الصلاة والسلام -أراد أن تستر على نفسها-: ارجعي حتى تفطميه) فذهبت ورجعت بعد أشهر طويلة وفي يدها كسرة خبز تطعم ولدها، فقالت: (يا رسول الله! هاهو ذا قد فطمته يا رسول الله فطهرني) لا تتحمل الذنب والمعصية، لا تتحمل أن تلقى الله بهذا الجرم العظيم، تريد أن يطهرها الله ولو كان بالقتل ولو كان بالموت (فأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك الولد فأعطاه لأحد الصحابة، ثم أمر بحفرة فحفرت، ثم وضعت في تلك الحفرة، وأمر الصحابة أن يرجموها، فرجموها، فإذا بأحد الصحابة يقع عليه شيء من الدم، فتكلم عليها -وكأنه سبها- فقال عليه الصلاة والسلام: مه، مه، لقد تابت توبة لو وزعت على أهل المدينة لوسعتهم).
إلهي لا تعذبني فإني مقر بالذي قد كان مني
فكم من زلة لي في البرايا وأنت علي ذو فضل ومن
إذا فكرت في ندمي عليها عضدت أناملي وقرعت سني
ومالي حيلة إلا رجائي وعفوك إن عفوت وحسن ظني
يظن الناس بي خيراً وإني لشر الناس إن لم تعف عني
عبد الله: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (قال الله تعالى: يابن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي.
يابن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك.
يابن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة) ما الذي يمنعك عن الله؟
ما الذي يصدك عن سبيل الله؟
أقبل على الله يا عبد الله، اطرح بين يديه، اسجد له ولتدمع العين، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله) {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [الأحقاف:١٦].