أيضاً -أيها الإخوة- من علامات هؤلاء المنافقين، واسمعها يا رعاك الله! فإنهم كثر لا كثرهم الله، بل منهم من يتقلد المناصب، ومنهم من يكثر كتابته في الجرائد، ومنهم من يطلق لنفسه العنان في المؤتمرات والمجتمعات، يتكلم باسم الله ويختم بحمد لله، ويصلي على رسول الله وهو من أعداء الله، من صفاتهم: لمز المطَّوِّعين من المؤمنين.
يلمز الصالحين، ويستهزئ بالمتدينين في كتاباته ومقالاته، ومجالسه، وأحاديثه، كلما استهزأ فإنه لا يستهزئ إلا بالصالحين، لسانه قد برئ من الوقيعة في الكفر وأهله، لا يتكلم على النصارى، ولا يطعن في اليهود، ولا يطعن في العلمانيين، إنما كلامه واستهزاؤه وهمزه ولمزه بالمتدينين، قال الله جلَّ وعلا عنهم، وفضحهم في سورة الفاضحة:{الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[التوبة:٧٩].
بل لعلَّ بعضهم قاتلهم الله، يكتب مقالات طويلة عريضة كلها في سب الصالحين، وفي الوقيعة في أعراض المتدينين، لا همَّ ولا حرب له إلاَّ هؤلاء، قاتلهم الله أنَّى يؤفكون.
وصفهم الله في وصف آخر وأخبر عن ألسنتهم، قال الله جلَّ وعلا:{سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ}[الأحزاب:١٩] ألسنة كأنها السيوف على الصالحين، حتى جاء أحدهم إلى ابن المبارك، وقد وقع في أعراض المتدينين، أو أحد العلماء الصالحين، فقال له: غزوت فارس، قال: لا، قال: غزوت الروم؟ قال: لا، قال: سلم منك فارس والروم ولم يسلم منك المؤمنون.