للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من جزاء الشهداء عند الله]

يقول عبد الله بن عمرو بن حرام ليلة معركة أحد يخاطب ابنه جابراً: يا بني ما أراني إلا مقتولاً في أول من يقتل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ يعلم أنه في الصباح سوف يقتل، ثم قال له: يا بني ولا أحدٌ أعز إلي منك إلا رسول الله، ثم وصاه، يقول: فلما أصبح الصباح يقول جابر: فكان أول قتيل في المعركة، يقول: وبعد المعركة كشفت عن وجهه وبكيت، فقام أصحاب النبي ينهونني عن البكاء، وجعلت عمتي تبكي على أبي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ابكيه أو لا تبكيه! فما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه) ثم قال لي النبي: (يا جابر ألا أخبرك أن الله كلم أباك كفاحا، فقال: يا عبدي! سلني أعطك، فقال: أسألك أن تردني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانياً، قال: إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون، فقال: يا رب فأبلغ من ورائي) فأنزل الله بعد أحد قوله جل وعلا: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران:١٦٩].

والشهيد لا يعذب، ولا يتألم، تقول: لقد سحقته الدبابات، وتفجرت به القنابل، وصرع بالرصاصات، وأحرقته تلك القنابل الذرية والنووية، وربما سقطت على رأسه الصواريخ، أقول لك: إنه لا يتألم إلا كما يجد أحدنا ألم قرصة النملة، ومع أول قطرة دم تخرج منه يطهره الله من كل ذنب، الله أكبر! ثم يرى مقعده من الجنة، ألم ترَ بعض الشهداء يموت وهو مبتسم، يدفن وهو مبتسم، تعرف لم؟ لعله رأى مقعده من الجنة وهو في الأرض، ثم إن الشهيد إذا أدخل القبر يجار من عذاب القبر بنعيم أكبر من هذا، نحن نخاف من ظلمة القبر، نخاف من عذاب القبر، نخاف من جحيم القبر، نخاف من الديدان، نخاف من الثعابين أما الشهيد فيجار من كل هذا.

ثم إذا بعث عند ربه يأمن من الفزع الأكبر، ويبعث الناس على أعمالهم، هو يبعث والدم ينزف من جسمه؛ اللون لون دم والريح ريح مسك، ثم يُلبس تاج الوقار والكرامة، الياقوتة فيه خيرٌ من الدنيا وما فيها، ويزوج باثنتين وسبعين من الحور العين، ويشفع في سبعين من أهله.

ثم أرأيت الشهيد الذي يُقتل؛ أتعرف أين هو؟ هو في الجنة، في جوف طيرٍ خضر لها قناديل معلقة تحت عرش الرحمن، تسرح في الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، يطلع عليهم ربهم فيقول: (أتريدون شيئاً؟ أتشتهون شيئاً؟ يقولون: أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا؟ حتى يقولون: نريد أن ترد أرواحنا بأجسادنا فنرجع إلى الدنيا فنقتل في سبيلك مرة أخرى، فيقول لهم ربهم: إني كتبُ أنكم إليها لا ترجعون) {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران:١٦٩].