أول ما تربي نفسك على التواضع، أن تذل نفسك بين الناس، هل جربت أن تمشي بين الناس وتعتبر نفسك أذلهم وأحقرهم وأدناهم منزلة؟ هذا رجل يسمى: بكر بن عبد الله المزني أحد الصالحين الزاهدين، رجل سطره التاريخ في زهده وعبادته، يوماً من الأيام كان واقفاً في عرفة، تعرف ما الذي يحصل في عرفة؟ الناس بين باكٍ وخاشع وساجد وراكع وداعٍ لله جل وعلا، في عرفة تكثر الدموع والبكاء، وبكر بن عبد الله المزني جالس في عرفة -لعل هذا الرجل أفضلهم- قال: لا إله إلا الله، لولا أني فيهم لقلت: قد غفر الله لهم، قال: المصيبة أني موجود بينهم، لو كنت خارجاً عنهم لجزمت أن الله قد غفر لهم:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}[المائدة:٥٤] على إخوانهم في الله، على عباد الله الصالحين ذليل، أما شدته وقسوته على من؟ {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}[المائدة:٥٤] كم تجد من الناس مع النصارى واليهود ذليل؟ متواضع لين هين ومع إخوانه في الله قاس كم ترى من الناس أمثال هؤلاء؟
موقف آخر في هذا المقام: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، هذا التابعي أبوه وجده صحابيان، وهو من أشرف التابعين في علمه وعبادته، هذا الرجل كان في منى، وأظن من حج منكم يعرف كيف يكون الناس في منى، زحام وكل واحد يدفع الثاني في زحام منى، هذا الرجل كان يمشي في منى فإذا برجل يدفعه، فالتفت إليه سالم، تظنه ماذا يقول؟ ولِمَ التفت سالم إليه؟
قال الرجل لـ سالم بن عبد الله: إني لأظنك رجل سوء، سبحان الله! أولاً دفعه ثم شتمه، والآن ماذا تظن سالم يرد عليه، تخيل يا عبد الله! تمشي في الطريق فيدفعك رجل، فتلتفت إليه فلا يتأسف، ويسبك، ويقول: أنت رجل سوء، كيف ترد عليه يا عبد الله؟! تعرف ماذا قال سالم؟ قال: والله ما عرفني إلا أنت: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}[المائدة:٥٤] قلوب متواضعة لينة، الواحد يحقر نفسه، حتى قال بعضهم في تعريف التواضع: ألا ترى لنفسك حقاً أو فضلاً على أحد، فتظن أن الناس كلهم خير منك.