[مجيء جهنم وبدء الحساب]
في أرض المحشر إذا بك ترى وتسمع صوتاً من مكان بعيد إنه صوت جهنم {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً} [الفرقان:١٢] تخيل الناس على المحشر كلهم يخرون على الركب إذا رأوا جهنم، حتى الأنبياء والصالحون يخرون على الركب {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً} [الجاثية:٢٨] أتعرف ماذا يفعلون؟ يقولون: اللهم سلم سلم اللهم سلم سلم حتى الطفل الصغير يشيب شعره بلا ذنب.
عبد الله! أتعرف ماذا يحصل لك في تلك اللحظة؟ {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ} [الفجر:٢٣] وأنت لوحدك {يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْأِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} [الفجر:٢٣] تتذكر كل سهرة كل فتاة نظرت إليها كل أغنية استمعت إليها كل صلاة فوتها كل كذبة كذبتها كل كلمة عققت بها الوالد أو الوالدة، تتذكر كل لحظة من لحظات حياتك، مثل الشريط يمر: {يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْأِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} [الفجر:٢٣] * {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر:٢٤].
أين فلان بن فلان؟ بدأ الحساب، وبدأت الحياة الأخيرة، وبدأ الجزاء والمصير أين فلان بن فلان؟ يرتعد الجسم، وتضطرب الجوارح، وتبلغ القلوب الحناجر من شدة الخوف.
إذاً: الملائكة تجره إلى الرحمن إلى العزيز الجبار {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:١٨] يقفون بين يدي العزيز الجبار، يقول له: عبدي -والله سريع الحساب- تخيل نفسك بين يديه، تذكر فلان الذي ذهب من الدنيا لعله بدأ ذلك المصير وأنت لا تشعر.
عبدي! أتذكر ذنب كذا؟
عبدي! أتذكر تلك اللحظة؟ أتذكر عبادي الصالحين؟
عبدي! أتذكر تلك الليلة عندما ذهبت إلى فلان وفلان؟ {مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار:٦].
عبدي! ألم أصح لك الجسد؟ ألم أعطك من المال والصحة والوقت؟
عبدي! ألم تعرف أني قد افترضت خمس صلوات؟ أين أنت عنها؟
عبدي! أما حرمت عليك النظر إلى النساء الأجنبيات؟
عبدي! ألم تعلم أني حرمت عليك الأغاني؟
عبدي! ألم تعلم أني حرمت عليك كذا وكذا؟
عبدي! أتذكر تلك السفرة؟ أتذكر تلك الرحلة؟ تذكر ذلك اللعب والمؤذن يؤذن.
عبدي! أتذكر أتذكر؟ لحظة لحظة، من أول الحياة إلى آخرها.
يقول: يا رب! ما فعلت شيئاً، فتأتي الملائكة الشهود، ويأتي الصالحون يشهدون، ويأتي الدعاة إلى الله يقولون: يا رب! دعيناه فما استجاب! فيأتي ذلك الذي نصحهم في مجلس يقول: يا رب! جلست أمامه أذكره بالموت وبيوم القيامة فما انتصح! يا رب! طرقت عليه الباب ليصلي فما صلى فيقول: يا رب! لا أقبل شاهداً إلا من نفسي، هؤلاء لا أقبلهم شهوداً، فيقول الله: لك ذلك، لا يشهد عليك إلا نفسك، فإذا بالفم يختم عليه اليد تتكلم، والرجل تنطق، كلٌ منها يقول: يا رب! فتح التلفاز في تلك الليلة، اليد تتكلم: يا رب! بطش، يا رب! لمس، يا رب! كتب الرسالة تلك، يا رب! رفع الهاتف في ذلك اليوم وقال كذا وكذا.
الرجل تتكلم: يا رب ذهب إلى ذلك المكان، ذهب مع فلان وفلانة: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يس:٦٥] بعدها تنطق الجلود، فيصيح صيحة {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [فصلت:٢١] بعداً لكنَّ وسحقاً، عنكنَّ كنت أناضل حتى لا تحترق الجلود، ثم ينظر الله إليه، فيقول له: عبدي! ما غرك بي؟ عبدي من الذي جرأك علي؟ فينكس رأسه، ثم يقول: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا} [السجدة:١٢].
يا رب! عقلنا، يا رب! عرفنا الحق، يا رب! الآن أبصرنا {أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا} [السجدة:١٢] ماذا تريد؟ {فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ} [السجدة:١٢] يا رب! أرجعني إلى الدنيا أصلي أصوم أسجد أركع أذكر الله أقرأ القرآن الآن لا تنفعك تلك الكلمات.