[التوبة والرجوع إلى الله تعالى]
بعض الدعاة ذهبوا إلى بلد من البلاد اسمعوا إلى هذه العبر واعتبروا من غيركم يحدثني أحد الدعاة عن مجموعة من الدعاة سافروا إلى إحدى الدول الغربية، فلما أتوا إلى مسجد من المساجد، وأخذوا يصلون في المسجد، سألوا الإمام: أتعرف أحد المسلمين حول المسجد وهو لا يصلي؟ فقال لهم: نعم! أعرف جاراً للمسجد وهو من إحدى الدول العربية بل الخليجية، مسلم لكنه لم يأت إلى المسجد يوماً من الأيام.
قال لهم: إنه من أغنى الأغنياء، عنده ملايين، فاذهبوا إليه ربما يهديه الله، يقول الداعية: فذهبنا إليه وطرقنا الباب، فلم يأت، واستمر أحدنا يدق عليه الجرس لعله يخرج، وانتظرنا مدة من الزمن حتى خرج عابس الوجه مكفهراً، قال: ماذا تريدون؟ قالوا بعد أن سلموا عليه: نحن إخوانك جئنا نزورك في الله، قال: وماذا تريدون؟ قالوا: نريد زيارتك، لا نريد إلا وجه الله، قال: وبعد ذلك ماذا تريدون؟ قالوا: نطلب منك أن تأتينا إلى المسجد، قال: إن شاء الله، اذهبوا إلى المسجد وأنا أدرككم، قالوا: لا.
انظر إلى الداعية المصر الداعية النشيط، صاحب الهمة العالية، قالوا: لن نبرح من هذا المكان حتى تأتي معنا، قال: اذهبوا وسوف أتوضأ وآتيكم، قالوا: نحن منتظرون.
سبحان الله! قال: أقول لكم: سوف آتي، قالوا: لن نبرح من هذا المكان حتى تأتينا، قالوا: فذهب ورجع بعد قليل، وقد بدل ملابسه وجاء متوضئاً، وذهب معهم إلى المسجد، وقال: أصلي وأرجع، فلما صلى قام أحد الدعاة أيها الدعاة! انظروا إلى الصادقين المتقين، ما الذي يمنعكم عن هذا الفعل، يقول: وبعد الصلاة جلس، فسمع بعض الآيات والأحاديث وبعض العبر، كان يريد الذهاب ولكن الحديث الجميل أجلسه، وبعد أن أنهى الشيخ كلامه نظروا إليه فإذا عيناه تذرفان، فجلس معهم وقال: أين تذهبون؟ وإلى أي مكان تغادرون؟ قالوا: نحن نتجول في المساجد، من مسجد إلى آخر ندعو إلى الله عز وجل، قال: أنا أريد أن أذهب معكم ما هي الشروط؟ قالوا: لا شروط، تعال واذهب معنا، وفعلاً ذهب معهم، ومرت الأيام حتى أصبح هذا الضال قاسي القلب، من الدعاة إلى الله عز وجل، وسخر ملايينه كلها في الدعوة إلى الله، ومرت الأيام فقال هذا الرجل للشيخ ذات يوم: يا شيخ! أتذكر ذلك اليوم الذي أتيتم فيه إلى منزلي؟ قال: نعم.
قال: أتدري ماذا كنت أفعل؟ قال: لا.
وما يدريني! قال: كنت في ذلك اليوم قد ضاقت عليّ الدنيا جميعها، ملايين لكن الدنيا أظلمت، تعاسة وهم وغم، كنت واضعاً كرسياً في إحدى الغرف، ووقفت على الكرسي وعلقت الحبل في السقف وربطت الحبل في عنقي، وهممت بدفع الكرسي لأسقط، وفعلاً دفعت الكرسي لكنه لم يسقط، فسمعت الجرس، فقلت في نفسي: هل أرد على الباب أو أنتهي من الدنيا؟ فقالت لي نفسي: انتهِ من الدنيا، وجاءني مناد في قلبي يقول لي: لا.
رد على صاحب الباب فربما تجد شيئاً من الأمل، فدفعت الكرسي لكنه لم يسقط، فقلت: أنزل فأرد على الباب ثم أرجع فأنتحر فيقول: أرأيت إنها ثوان معدودة أرسلكم الله عز وجل إليَّ، ولو لم تأتوا إليّ في ذلك اليوم، لانتحرت وساءت خاتمتي.
أتعرف لماذا أراد الانتحار؟ لأن الله عز وجل يقول: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} [طه:١٢].
هذه القصة تذكرني بحديث النبي صلى الله عليه وسلم لما زار جاره اليهودي الذي كان من أشد الناس عداوة له، زاره قبل الموت ودعاه إلى الله عز وجل فأسلم أين الدعاة؟ أين المصلحون؟ لِمَ تسوف؟ لِمَ تقول: غداً أدعوهم غداً أذكرهم؟ وهل تضمنهم أن يعيشوا إلى الغد؟ لماذا الكسل والفتور؟ لِمَ لا نقبل على الناس فندعوهم إلى الله عز وجل؟
أحد الدعاة يحدث بنفسه يقول: كنت في أمريكا في إحدى المحاضرات، وفي منتصف المحاضرة قام أحد الناس فقطع عليّ حديثي -اثنان من المسلمين معهم أمريكي ثالث- فقالوا لي: يا شيخ! انتظر لقن فلاناً الشهادتين، فقلت: الله أكبر! يريد أن يسلم، فقالوا: نعم.
يقول: فاقترب مني، فقال الشيخ للأمريكي: ما الذي حببك إلى الإسلام فأردت أن تدخله؟ لِمَ تريد الدخول في الإسلام وأنت ترى المسلمين؟ فقال له: يا شيخ! أنا أملك ثروة هائلة، وعندي شركات وأموال، أنا مليونير ولكن لم أشعر بالسعادة يوماً من الأيام.
يقول: وكان عندي موظف في شركتي هندي مسلم، هذا الموظف متواضع بسيط، معاشه قليل، والغريب أنني كلما دخلت على هذا الموظف رأيته مبتسماً، وأنا صاحب الملايين لم أبتسم يوماً من الأيام، فقلت في نفسي: كيف هذا؟ أنا عندي الأموال، وأنا صاحب الشركة، والموظف الفقير يبتسم وأنا لا أبتسم، يقول: فجئته يوماً من الأيام، فقلت له: أريد الجلوس معك.
قال: تفضل! الرئيس يجلس مع الموظف، فقلت له: أسألك سؤالاً: لماذا أراك دائماً في ابتسام؟ لم أرك يوماً مهموماً! فقال له: لأنني مسلم (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله).
فقال له: وهل يعني ذلك أن المسلم طوال أيامه سعيد؟
قال: نعم.
قال: وكيف ذلك؟ قال: لأننا سمعنا حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: أي حديث! أخبرني به؟ قال: حديث يقول فيه النبي عليه الصلاة والسلام: (عجباً لأمر المؤمن! إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته ضراء صبر، فكان خيراً له، وإن أصابه سراء شكر، فكان خيراً له) قال: فأمورنا كلها سراء وضراء، أما الضراء فهي صبر لله، وأما السراء فهي شكر لله، حياتنا كلها سعادة في سعادة.
قال: أريد أن أدخل في هذا الدين.
قال: اشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، قال الشيخ أمام الملأ وهو يتكلم بنفسه: فقلت له بعد هذا: اشهد الشهادتين، ولقنته، فقال أمام الملأ: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ثم انفجر يبكي أمام الناس، فجاء الذين عنده يريدون التخفيف عنه، فقلت لهم: دعوه يبكي، فلما انتهى من البكاء، قلت له: يا فلان! ما الذي أبكاك؟ قال لي: يا شيخ! والله لقد دخل في صدري فرح لم أشعر به منذ سنوات.
قال الله تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ} [الزمر:٢٢] إن انشراح الصدر لا يكون بالمسلسلات ولا بالأفلام ولا بالشهوات ولا بالأغاني، كل هذه تأتي بالضيق، إن انشراح الصدر بتلاوة القرآن آخر الليل إن انشراح الصدر بصيام الإثنين والخميس إن انشراح الصدر بالصدقات والنفقات: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر:٢٢].