لعلها الدنيا وفتنتها، لعل الدنيا قد دخلت قلبك:(اتقوا الدنيا واتقوا النساء) لعلك قد التهيت بزوجك وأبنائك وولدك: (الولد مجبنة مبخلة، مجهلة محزنة){إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ}[التغابن:١٤].
يقول أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه: [كنا يوماً من الأيام نحن معشر الأنصار، قلنا بيننا وبين أنفسنا: إن أموالنا قد ضاعت -جاهدوا في سبيل الله، تركوا المزارع، تركوا الضياع، تركوا التجارة، ذهبوا يجاهدون في سبيل الله- قال: فقلنا بيننا وبين أنفسنا إن أموالنا قد ضاعت، فلو أنَّا أقمنا فيها، فأصلحنا ما ضاع منها، فأنزل الله عز وجل:{وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}[البقرة:١٩٥]] جاهدوا في سبيل الله، فلما التفتوا إلى الدنيا، قال الله لهم:{وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}[البقرة:١٩٥].
أيها الأخ العزيز: لا إفراط ولا تفريط، لا أطلب منك أن تهمل أهلك وأبناءك وبيتك، وتهمل نفسك، إن لنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، ولبدنك عليك حقاً، ولزوجك عليك حقاً، لكن إياك أن تمضي صباحك ومساءك للدنيا، ولا تفرغ ساعة واحدة لله، ما ضرك لو خرجت ساعة في اليوم والليلة، تخرج إلى الشارع، وتدعو الناس إلى الله، وتذكرهم بالله، وتقول لهم:{يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا}[غافر:٢٩] تذهب وتقول: {يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ}[غافر:٣٨]؟!
ما ضرك -يا عبد الله- لو أنفقت ألفاً للدنيا، وعشرة دنانير في طاعة الله وفي الدعوة إلى الله؟!
ما ضرك -يا عبد الله- لو مشيت في اليوم والليلة بالسيارة لقضاء حاجات أهلك، وتمشي عشر دقائق بسيارتك في سبيل الله؟! ألم تسمع المنافقين ماذا كانوا يتعذرون عند رسول الله؟ يدعون إلى الجهاد وهم يقولون:{شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا}[الفتح:١١] كانوا يتعذرون بالمال والأهل والولد والبيوت، ويقولون:{إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ}[الأحزاب:١٣].
لا أدري ما السبب الذي أوصلك إلى هذه الحال! أتظن أن غاية الدين والدعوة أن تحضر مجلس ذكر ثم تذهب إلى بيتك فتنام؟!
أسألك عن جدولك في اليوم والليلة، فتقول: أحضر مجلساً واحداً في الذكر، أما أن أدعو إلى الله، أما أن يدعوني هذا العلم إلى العمل، أما أن يهتف هذا العلم بالعمل، فلا إلا من رحم الله.