للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إطلاق اللسان بالسب والشتم واللعن]

من الناس من يطلق لسانه -للأسف حتى من بعض المسلمين- في السب والشتم، فإذا غضب سب وشتم، بل إن بعضهم تجده يصلي، لكنه إذا غضب لا يمسك لسانه، قال عليه الصلاة والسلام: (المتسابان شيطانان) وفي بعض الأحيان تجد في الطريق، أو في الدوام، أو في البيت، اثنين هذا يسب هذا، وهذا يتكلم على هذا، يقول عليه الصلاة والسلام: (المتسابان شيطانان يتهاتران ويتكاذبان).

وأعظم السب الذي يخرج من اللسان على وجه الدنيا هو سبُّ الرَبّ جل وعلا، وسبُّ الرَبِّ بنسبة النقص له سبحانه وتعالى، أو بنسبة الولد له، هذا كله سب وشتم لله، ويأتي تحته درجة أقل منه: وهي سب الأنبياء والرسل، وسب الملائكة، وسب الصالحين، وعلى رأسهم الصحابة، في الحديث الصحيح: (من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) فكم من الناس من لا يبالي فيسب أصحاب رسول الله! أسمعت أولئك الذين يتكلمون في عرض أصحاب رسول الله؟! فقد قال بعضهم: ما رأينا أكبر منهم بطوناً ولا أجبن عند اللقاء.

ألسنة تكلمت بهذا الكلام، فأنزل الله عز وجل آيات من فوق سبع سماوات: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} [التوبة:٦٥] كنا نقضي الأوقات حتى تمر الساعات {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:٦٥ - ٦٦] كلمات أُطلقت أَوبقت دنياهم وآخرتهم، ومن الناس من يطلق لسانه بأشد من هذا، أو بمثله من اللعن؛ واللعن من أخطر الأمور، فإياك أن تلعن أحداً يوماً من الأيام! قال عليه الصلاة والسلام: (لعن المؤمن كقتله) أرأيت إنساناً يمسك بالسلاح فيقتل؟ ستقول: أعوذ بالله من القتل، ولن تصل إلى هذه الدرجة بإذن الله، لكن (لعن المؤمن كقتله).

واللعن هو الطرد من رحمة الله ويقول صلى الله عليه وسلم: (ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء) تخرج اللعنة إلى السماء فإن استحقها صاحبها وإلا رجعت على قائلها، قال بعض أهل العلم: حتى الكافر الحي في حال حياته لا يعيَّن باللعن، وما يدريك؟ فلربما يسلم ويؤمن ويتوب قبل أن يموت، هذا في الكافر، فما بالك بمن يلعن المسلمين؟! ما بالك بمن يصفهم بلسانه بالكفر، فيضلل فلاناً ويفسق فلاناً، ويبدع فلاناً؟ وقد جاء رجل يوماً من الأيام إلى صاحبه، وكان ينكر عليه كل يوم، فقال له ذات يوم: (والله لا يغفر الله لك -من غضبه وحماسه وشدة إنكاره للمنكر، قال: أنت على هذه الحال، فلا يغفر الله لك- فقال الله عز وجل: من ذا الذي يتألى عليَّ؟ قد غفرت له وأحبطت عملك) أحبط الله عمل الصالح وغفر لصاحب المنكر، قال الإمام الشافعي: قال كلمة أوبقت دنياه وآخرته.

يقول الله تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء:٣٦] لا تتكلم في شيء لا تعلمه، لا تتكلم في شيء من حقوق الألوهية أو الربوبية، فإن سلب الإيمان من الإنسان، أو لعنه، أو إخراجه من دين الله، هذا يحتاج إلى شروط، فاحذر من خطر اللسان {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:٣٦].

اجلس في مجالس الناس اليوم وانظر: من منهم يجلسون على ذكر الله؟! أغلب المجالس اليوم إما غيبة للناس، أو لغو بالباطل، والله عز وجل يقول: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون:٣] إن لم تكن مجالس فحش وبذاءة.

والله جل وعلا وصف مجالس الناس فقال: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ} [النساء:١١] أكثر نجوى الناس لا خير فيها {إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء:١١].